“جسم الجماعة إذا لم يكن يسوده الوئام الكامل، والوحدة الوجدانية العقدية والتحاب في الله عز وجل، لا يستطيع أن يؤثر في مجتماعتنا الفتنوية الفاسدة التي يسيطر عليها الحقد الطبقي، والخلاف الحزبي، والنعرات القومية.
هذا الوئام يأتي من لين المؤمنين بعضهم لبعض وتراحمهم. قال الله تعالى يصفهم: {مُحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}.(الفتح، 29)
ومن التحاب في الله واللين للمؤمنين يبدأ التأليف. قال الله تعالى يخاطب رسوله المصطفى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ} (آل عمران، 159).
ومن التحاب في الله واللين للمؤمنين تتألف عناصر القوة الجهادية، وعناصر الدفع في وجه العدو. قال تعالى: {أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ}. ما قدروا على تلك الشدة إلا بوجود هذه الرحمة.
وقال عز وجل من قائل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ} (المائدة، 54)
الذلة السهولة واللين.
(…) الإيمان والتقوى في القلب منبعهما، والحب في الله في القلب منبته. فتربية القلوب على محبة الله ورسوله والمؤمنين أول خيط في حبل الله المتين. وقد جعلنا حب الله ورسوله وحب المؤمنين أهم شعب الإيمان المندمجة تحت الخصلة الأولى: «الصحبة والجماعة».
فلا جماعة إلا بتحاب في الله وصحبة فيه..
وإن شر ما يفرق جماعات المسلمين غفلتهم عن الله حتى ينسوه فينسيهم أنفسهم، فتقسوا القلوب من ترك ذكر الله.
وتتمثل هذه القسوة في تباغض المسلمين فلا جماعة ولا إيمان.
(…) قال الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ} (الحجرات، 10)
فرباط الأخوة والتحاب في الله هو الطاقة التي لا تغلب. لكن الأخوة في الله لا تعرف حدود القطر واللغة، ولا تستقيم مع الإنتماءات الجزئية لجماعة من المسلمين دون جماعة. فإذا تحدثنا عن تنظيم قطري فليس ذلك لنحصر الأخوة في فئة دون فئة، لكن لنصرف الطاقات الأخوية في قنوات موجهة للمهمات المرحلية ريثما يتم تحرير أقطار الإسلام. فناظمة الأخوة في الله والحب في الله تسلك جميع المؤمنين على وجه الأرض في سلك الذين أنعم الله عليهم فأعطاهم منابر النور والمكان المغبوط عليه. تبقى الناظمتان الأخريان، تخص كتائب من جند الله دون كتائب إلى يوم الخلافة الموعود إن شاء الله.
ألا وإن الرئاسات تذهب التقوى وتخرب الأخوة. فلين المحبة بين المؤمنين مهما كانت المكانة شرط ليكون التنظيم إسلاميا وليكون المؤمنون إخوة حقا وفعلا لا قولا وادعاءً.
قال الله تعالى يأمر رسوله ويأمرنا بعد أن ذكر منته عليه: {فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ} (آل عمران، 159)
عند الانتقال من الناظمة الأخوية إلى الناظمة الشورية لا بد من إلحاح أخير على تغليب المحبة وتسبيقها. اعف عنهم حتى يأنسوا بعطفك، واستغفر لهم حتى يعملوا أنك تحمل همهم أمام الله، ثم بعد ذلك شاورهم لتكون شوراكم تفاهما أخويا لا جدلا و مواجهة بين الآراء الجافة. الأمير و المأمور سواسية في الحاجة لمن يحب ويعفو ويستغفر، وفي الحاجة لمن ينصح ويشير.”
من كتاب المنهاج النبوي -صفحات 82-83-
