من بركات خروج الكتاب “حوارات مع أصدقاء ملحدين”، أن بدأ التلاميذ والطلاب في ارسال أسئلة زملائهم “المشككة” وإليكم واحدة منها.. تقول تلميذة :
“فقد كنت اتفحص مواقع التواصل الاجتماعي, اذ بي اجد ان احدهم كتب و نشر الاتي: إن الغضب هو رد فعل انساني ينتج جراء حدوت شيء غير متوقع او خارج عن الارادۃ، و ان الانسان يغضب لانه لم يعلم نتائج افعاله…فكيف يعقل ان يغضب الله و هو يعلم الغيب و ما سيحدث مستقبلا , اذا من يغضب فهو ليس الها…”
ثم أضافت البنت: “للأمانۃ هذا الشاب يتواصل مع زميلۃ لي في القسم … وهذا السؤال طرحته زميلتي علی استاذ التربيۃ الاسلاميۃ الا انه لم يقنعني بجوابه فهل تكرمت واجبتني”..
واستدركت “ان هذا لم يكن اول سؤال له
فلطالما شاجرته بسبب مواضيع و اسئلۃ اجدها تافهۃ
و كلما حاولت الاجابۃ له لا يقتنع فهل لك ان تساعدني..
ملحوظۃ: ان هذا الشاب يقول انه ليس ملحدا فهو يومن بوجود الله, لكنه لا يومن بأيۃ ديانۃ…. “..
مع محاولتي ثنيها -أو صاحبتها- عن الاستمرار في محاورة مثل هؤلاء المشككين كما كنت سأفعل مع بناتي (هيأ الله لهن من الداعيات والدعاة من يتكفل بهن.. فما كل ما قد يؤرق الابناء -من مثل هذه الاسئلة- قد يقال للآباء الطينيين.. وما كل مطرب للحي يطرب حيه).. إلا أننا الآن أمام أمر وقع وسؤال بلا جواب.. وحيرة.. قد تولد شكا في فطر طرية…
أخذت يوما أو بعض يوم حتى لا أجيب كما فعل بعض المفتين المباشرين على التلفاز من على بعد 4000 ميل الذي ينصح -بل يأمر- أجير بنك (في دولة تغالب الانهيار الاقتصادي) لمغادرتها بدعوى الربا ولا يجيب عمن سأله عن تعطيل زكاة الركاز على النفط الذي تحت الأرض حيث يقعد المفتي.. فكل جواب يجب أن يحضر.. سيما إن كان الأمر يتعلق بمستقبل إنسان… وعقيدته..
أرسلت الجواب التالي إلى مجموعة الكترونية أنشأها شباب كنت زرتهم في مدينتهم -وفيهم الفتاة فقد كانت حاضرة واخذت اسم حسابي على الفيسبوك وارسلت لي ما قرأتم -..
ومع أنه لا أعلم ولا أملك أن أقارن بين غضب الله وغضب العباد.. إلا أن السائل استعمل هذه المقارنة أو القياس التي توافق المنطق البشري النسبي.. ولله المثل الأعلى..
كان جوابي كالتالي:
١. (أولا)- قال الولد في تعريفه ان الغضب ردة فعل (reaction) وبالتالي فهو ينتظر من المجيب ان يتبعه في منطق هو اختاره.
لا تسقطي ابدا في هذا الفخ : ان يحدد لك السائل مجال اجوبتك .
بل اسأليه:
ا- من أين أتيت بهذا التعريف؟
ب- ولماذا حصرته في نوع واحد (ردة فعل)؟
ج- ولماذا حصرته في سبب واحد (نغضب لشيء غير منتظر)؟
٢. (ثانيا)- ليس كل الغضب ردة فعل (reaction): انما هناك غضب متعمد للتربية وهنا يكون فاعلا (action) لا ردة فعل:
مثلا حين يعمل طفلك ذو الثلاث سنوات شيئا مخالفا للمتعارف عليه كأن يكسر صحنا رخيص الثمن عمدا (ليس الامر منتظرا لكنه ليس مستبعدا ممن هو في سنه).. ما ستقوم به هو أنك قد تنهره وتظهر الغضب حتى لا يعيدها وانت لست متأثرا ولست غضبانا لفقدان صحن ب 7 دراهم (أقل من دولار).. انما الغضب هنا = عقوبة وتحذير.. ولم يحرك في داخلك رغبة في الكراهية او في الانتقام..
٣. (ثالثا)- هناك فرق في مآل الغضب: فالغضب (عموما) مكروه (حديث: لا تغضب).. لكن هناك استثناءات.. فمن يغضب “ل” نفسه ليس كمن يغضب “ل” الله.. ولمحارم الله.. فهذا غضب محمود…
٤. (رابعا)- مثال: وهو ما كان من غضب من أجل الله تعالى عندما تنتهك محارمه، وهذا النوع ثمرة من ثمرات الإيمان إذ إن الذي لا يغضب في هذا المحل ضعيف الإيمان.. قال تعالى عن موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام بعد علمه باتخاذ قومه العجل {وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إِلَى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً قَالَ بِئْسَمَا خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَعَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قَالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَكَادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدَاءَ وَلا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ} [الأعراف:150]
٥. (خامسا)- مثال ٢: غضب النبي صلى الله عليه وآله وسلم.. لا يُعرف إلا أن تنتهك محارم الله تعالى.. فعن عائشة رضي الله عنها قالت: “ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم شيئا قط بيده، ولا امرأة، ولا خادمًا إلا أن يجاهد في سبيل الله، وما نيل منه شيء قط فينتقم من صاحبه إلا أن يُنتهك شيء من محارم الله فينتقم لله عز وجل” (رواه مسلم: [2328])
٦. (سادسا)- مثال ٣: من الغضب المحمود: الغضب لما يحدث للمسلمين من سفك للدماء، وانتهاك للأعراض، واستباحة للأموال، وتدمير للبلدان بلا حق .
انظروا*: إن ما يحدث للأقليات المسلمة في بورما والصين والهند مؤشر لما قد يحدث غدا للأقليات المسلمة في بلدان أخرى… كما حدث قبل في الاتحاد السوفيتي والبوسنة والشرق الادنى..
اذا ما حدث اعتداء جديد فسيكون “منتظرا”.. وسيكون غضبنا “منتظرا”..
غضب لله ولظلم متوقع منتظر.. لا لشيء غير منتظر…
٧. (سابعا)- حصر الولد أسباب الغضب في شيء واحد (ليوقع من سيجيب في فخ التناقض ان الله يعرف ما سيحدث) .. وهذا خطأ منطقي إذ إن اسباب الغضب كثيرة ومنها:
– العجب بالنفس والكبر
– المراء: قال عبد الله بن الحسين: “المِراء رائد الغضب فأخزى الله عقلًا يأتيك به الغضب” ا.هـ (البيان والتبيين: [1/208)
– المزاح إن زاد عن حده : وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: “إياك والمزاح فإنه يجر القبيح ويورث الضغينة” (رواه ابن أبي شيبة: [7/243]).
وأسباب أخرى..
٨- (ثامنا)- إن النتيجة البديهية الأولى لعدم معرفة ما سيقع (قبل الغضب) هي “المفاجئة”! فلماذا اختار السائل وضع الغضب كنتيجة حتمية “أولى” و”وحيدة”.. فالغضب هو أحد نتيجتين
اثنتين على الأقل: فقد يكون “الرضى” نتيجة لما لم يكن متوقعا.. او حتى اللمبالاة او ردات فعل لا تحصى..
٩. خلاصة:
ا- أسباب الغضب كثيرة وليس عدم معرفة ما سيقع : المزاح والعجب والمراء والطبع والتطبع ..
ب- تعريف الولد للغضب ناقص: فهو عبر عن الغضب المكروه ونسي الغضب المحمود ضد الظلم والذي يحرك الناس للقيام ضد الظالمين لتحقيق العدل..
والسلام عليكم
ولا تكثروا الجدل مع من لا يبحث إلا عن الجدل.. إلا أن تلمسوا فيهم رغبة صادقة للحق..
ف”ما ضَلَّ قومٌ بعدَ هُدًى كانوا عليهِ إلَّا أوتوا الجدَلَ ثمَّ تلا رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ هذهِ الآيةَ (مَا ضَرَبُوهُ لَكَ إِلَّا جَدَلًا بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ)..”
فإن عادوا للجدل وقالوا “انا لست ملحدا” .. قولوا لهم “اسألوا اللهﷻ مباشرة.. واستخيروه”..
بعد قراءة الجواب.. كان يهمني اقتناع البنت سليمة الفطرة أولا اكثر من السائل..
جاء جوابها كالتالي:
“جزاك الله الف جزاء لقد اتضحت الصورۃ”..
13 ديسمبر 2019
———-
*فقرة امثلة ما يقع للأقليات المسلمة مضافة
صورة المقال: ما يفعله الطفل غير منتظر وغيرمستبعد ولا ينتج عنه حتما غضب.. بل ربما ضحك…
