أوشك الاعتكاف على الانتهاء.. فأتى الخبر أن رجلا.. وأي رجل.. سيأتي لزيارتنا..
كنا نعلم أن الرجل مريض جدا.. أو ربما في المستشفى..أو ربما تحت عناية مركزة..
لكن علمنا بعدها من مرافقيه أنه أصرّ على حضور ختم الرباط.. مهما كانت العواقب…
دخل الرجل منهكا.. ملقى على سرير طبي بأنابيبه ومستلزماته.. يقود السرير بعض الشباب..
رجل بكّاء..يبكيك إن رأيته.. أما إذا نطق بصوته المنهك وبحّته المتعبة… فلا تسل…
اندهش الجميع.. وبكى الجميع للمنظر.. وبكينا على أنفسنا.. وعلى همتنا..
من يفعل مثل هذا.. من يقطع في مرض موته.. 300 كيلومتر.. على سرير طبي.. لولا أنه عرف “الكنز” الذي ينتظره..
عرف الرجل معنى الاعتكاف.. معنى تجمع المومنين لله لا لغير الله… عرف العارف عظمة الصحبة وسط الجماعة.. فلم يسمع لطبيب ولا لحبيب.. ولا لقريب..
كان المنظر مهيبا.. سرياليا.. بكل المقاييس…
وبعد عشر دقائق أو أكثر.. أحس الرجل الممدّد بنفحة قوة.. طلب من مرافقيه أن يوقفوه على رجليه.. فبدأوا ينظرون إلى بعضهم في دهشة أكبر… ولسان حالهم يقول.. أهو الجنون ؟
نَعم.. نِعم الجنون هو ؟
جنون الحب…
أو لم يوصف الانبياء.. بالجنون ؟
أو لم يوصف حبيبه بالجنون.. ؟
بل ألم يوضع صاحبه ومحبوبه.. في مشفى المجانين ؟
نِعم الاتباع هو ..
فُكّتِ الأنابيب والأسلاك.. واستند الرجل على كتفي رجلين ما زالتا صحيحتين وقتها..
وأُجلس الجبل..على الأريكة.. الزرقاء وقتها..
وبعث الله بشارة نبوية.. إلى قلب أحد الجالسين وعلى فمه أن الرجل حاز قبلة شريفة على جبينه.. وأنه بُشِّر بأنه يعدل عشرة من أكابر لم تحدد أسماؤهم..
أشهد بما رأيت وسمعت.. والعهدة على من وصف.. ولا يهمني بعدما رأيت تكذيب من لم يعش مثل هذه المواقف…
عندما سمع الرجل العظيم هذه البشارات العلوية -التي قد تطغي ٱخرا أو تغرّه-.. قال..بصوته الذي أتعبه جهاد عمر طويل.. والذي لا يكاد يسمع.. لولا المكبر…
“أنا مع هذا الرجل..”
مشيرا إلى العارف بالله الذي صحبه في السراء والضراء.. ذاك الذي أرشده… قائلا -وكاتبا ومتمثلا- :
” من هنا الطريق..
من هنا البداية.. “
ملاحظة : كل تشابه في الأسماء والصفات والاماكن.. محض قصد..
