قال العارف بالله في كتاب “المنهاج النبوي” :
“.. وقلما يتساءل الدعاة عن أسباب فشلهم خارجا عن دائرة الأسباب الحركية.
قلما ينظرون هل هم يرعون الله تعالى ليرعاهم، هل يطيعونه حق الطاعة ليوفقهم، هل طهروا قلوبهم وعقولهم بذكره والقيام على بابه بالدعاء والتضرع ليلهمهم؟
قولوا لي: أية تربية تلقيتم يا جند الله وأية عبودية حققتم لمولاكم، أقلْ لكم بلسان القرآن أي مصير هنا وهناك ينتظركم، وأية هداية.
قال الله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} (العنكبوت، 69)
ما قال: مع الشاطرين.
وقال عز من قائل: {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيز} (الحج، 40)
ما وعد بالنصر من يعتمد على حيلته وينسى أنها قضية الله لا قضيته.
إنما وعد من يبذل كل الجهد في التدبير، وإعداد القوة، والإقدام على التنفيذ، ويدخل من باب التضرع إلى الله العزيز، يسأله المدد والقوة والنصر.
تنسينا أنفسنا الأمارة بالسوء أن التوفيق من الله عز وجل، وأن هدايته وإلهامه ونصره هي زادنا الأول والأخير.
في حق الأنبياء والرسل كل هذه المعاني وهب وقدم صدق سبقت لهم بالحسنى.
وفي حقنا اجتهاد وجهاد في ذات الله. وقدم الصدق والسابقة بالحسنى هي على كل حال الموئل والمعاد.
الإنابة إلى الله، وإسلام الأمر إليه، والتعويل عليه، مع إثبات الأسباب، وإعداد القوة، وأخذ الحذر والأسلحة والوسائل على مستوى العصر والمستقبل؛ تلك هي المعادلة التي تجمع لنا بين لب الأمر وهو الإيمان بالله، وبين الجسم وهو التنظيم والحركة.
الدولة بلا دعوة جسم بلا روح.
التنظيم والحركة بلا تربية إيمانية تحزب سياسي ما هو من الإسلام في شيء.
قيادة تنطق بالإسلام والقلب فارغ من حب الله والتوكل عليه تقود القافلة للتيه.
التحليل السياسي والفقه الفكري دون ذكر الله، والخشوع الدائم بين يديه، هذيانٌ على مستوى هذيان العالم. الحركة دون معرفة النفس وأمراضها وعلاجها هوس.
لا يقدر يغير المنكر من في قلبه منكر النفاق.
ولا يقدر يأمر بالمعروف من لا يعرف الله عز وجل.
تدعو إلى الله في زعمك وأنت لا تعرف الله؟!
لا تعرف الله وأنت تظن أن تشملك عنايته بالذين دعوا إليه بإذنه؟!
(…) لا تحسب أن المنهاج النبوي الذي تحدثت لك عنه كل هذه الصفحات الطوال يكون منهاجا نبويا إن هو لم يجمعك على الله تعالى، ولم يستحثك للإقبال عليه عز وجل، ولم يوقظ همتك إليه.
لا تحسب أن مقاومة الظلم والكفر، وإقامة الدولة الإسلامية، تفيدك أنت شخصيا في الدار الآخرة وعند الله تعالى إن لم يكن حبه وطاعته وخدمة دعوته ونصرة قضيته هي فكرك ومعناك، هي غذاؤك وشرابك، هي جسمك وروحك، هي حياتك وموتك. وما الأموات من انتقلوا للدار الآخرة. فتلك النقلة حق. وبعد ذلك الموت نشر وبعث وحساب وجنة ونار.
قال الله سبحانه وتعالى: {فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} (الزمر، 22)
إنما الميت ميت القلب، لا يرجى له حياة هنا ولا هناك نعوذ بالله. قال الله تعالى: {وَمَن كَانَ فِي هَـذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلاً} (الإسراء، 72). عمى البصيرة نعوذ بالله. وما أدراك ما حياة القلب، وما البصيرة، إن لم تذكر ربك! «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر الله، مثل الحي والميت» حديث رواه البخاري ومسلم بنحوه.
إنما الميت الغافل عن الله المعرض عن ذكره، المنكر أن الله وحده يعز ويذل، يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب.
إنما الميت من فاته حظه من الله.”
اللهم اللهم اللهم أحينا واهدنا واجعلنا مع الذين أنعمت عليهم ومنهم.
______________________
مقتطفان من كتاب المنهاج للإمام المجدّد عبد السلام ياسين رحمه الله.. بين الصفحتين 457 و461
