نزلنا دَرَجا خشبيا يفضي إلى سطيحة واسعة ورائعة..
استقبلنا ابن الشيخ ديدات، الداعية يوسف ديدات* -رحمهما الله-.. وأخبرنا بأن والده مريض جدا.. ثم دخلنا..
كان المكان هادئا والضوء خافتا.. لقاء سريالي انتظره الفتى الذي لطالما التهم في صغره كتب الشيخ الذي كان يجيد مناظرة القساوسة والأساقفة..
اقتربت زوجة الشيخ منه وأخبراه بأني جئت من المغرب لرؤيته.. فأومأ بعينيه إلى شاشة عليها الحروف الابجدية ليوقف -بحركة من عينيه- من يمرر اصبعه على الحروف عند اختياره الحرف الذي يريد.. حتى أكمل جملة “I am very happy to welcome you”
قالوا لي إنه يسمعك فتكلم معه..
قلت له..
سيدي، قرأت كل كتبك وعندما حانت الفرصة لأجيء في مهمة إلى “بورت إيليزابث”.. حجزت الطائرة إلى “دربن” للقدوم لرؤيتك.. لأشكرك على ما تعلمت منك.. وعلى ما تقوم به..
اغرورقت عيناي وأنا أتكلم فبدا ذلك من تغير صوتي، فبكى الشيخ ديدات.. ثم واصلت:
إن لي شيخا وليا لله معلما.. أبا روحيا يجاهد في شمال أفريقيا كما تجاهد أنت في جنوبها..
ولقد سجنه ملك المغرب سنين من أجل مقالة بجريدة ورسالة! ثم هو الآن في إقامة جبرية وقد قاربت مدة حبسه عشر سنين..
واسمه “عبد السلام ياسين”..
قطب الشيخ أحمد ديدات عينيه عندما ذكرت السجن والحبس في البيت لسنين طويلة.. وتشنجت عضلات وجهه غضبا.. وألما.. فرجل بمثل همته لا يستسيغ الظلم أبدا..
وأريته آخر كتب الإمام المجدد رحمه الله ( islamiser la modernité).. ففرح به..
ثم اقترحت العائلة علينا أخذ صورة مع الشيخ.. أنا وأخي ريحان.. وما كنت لأتجرأ وأطلبها.. بل سألتهم إن كان الشيخ لا يمانع (فمن الناس من لا يحب أن تنشر صورته مريضا)، فأخبروني أن ذلك بإذنه..
والحمد لله رب العالمين..
رحم الله والدنا الإمام المجدد عبد السلام ياسين ورحم الله الشيخ أحمد ديدات.. ورحمنا مع المؤمنين وأدخلنا في عباده المحسنين.. وألحقنا بهم غير مبدلين..
________________
* كانت الزيارة سنة 1999
* توفي الشيخ أحمد ديدات في شهر اغسطس سنة 2005
* وتوفي الشيخ يوسف ديدات -برصاصة في الرأس- في شهر يناير سنة 2020
