الحجر الأساسي لقيام الدولة الإسلامية الذي وضعه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الهجرة النبوية مباشرة هو أن جعل من المهاجرين والأنصار “إخوانا”.. متحابين متراحمين.. متوادين..
ولن تقوم الدولة الإسلامية إلا بحب بين “إخوان”.. لا بين “أعضاء”.. أو بين “مواطنين”..
نحن في أول أيام السنة الهجرية.. فأي دروس نستخلص من الهجرة..؟
“في مثل هذه المناسبات يكثر الحديث عن الهجرة.. مداد يسيل ومحاضرات وندوات ودروس ومواعظ في المساجد، والغاية من الحديث عن الهجرة هو استخلاص الدروس من الهجرة (…) ما هي ثمرات الهجرة؟”. ١
“الهجرة نشأ عنها المجتمع المؤمن المسلم المتضامن المتعاون المتأخي المتآزر.
الهجرة أنبتت الدولة الإسلامية التي كانت نقطة انطلاق لدعوة الله تعالى في العالم.
إذا، إذا كان حديثنا عن الهجرة لا يفضي إلى أخذ العبر وأخذ الدروس من الهجرة فيكون كلاما ضائعا، صيحة في واد ونفخة في رماد ليس من ورائه طائل. نتحدث عن الهجرة ثم ننتظر أن تأتي السنة المقبلة لنتحدث عن الهجرة وهكذا دواليك… فما الفائدة؟” ١
من أهم دروس الهجرة إذا -كما جاء في هذا الكلام الحكيم- الخروج في سبيل الله.. أي حبا لله ولرسوله.. وإقامة جماعة متحابة في الله -متماسكة بهذا الحب- قادرة بقدرة الله على أن تقيم دولة الإسلام ليعبد الله في أمان وسلام..
نعم.. “الهجرة أنبتت الدولة الإسلامية”.. ١
أحب الصحابة مصحوبهم صلى الله عليه وسلم وفدوه بمنازلهم وأثاثهم ومالهم وأولادهم وأزواجهم..
وزرع -صلى الله عليه وسلم- الحب بينهم لما آخى بينهم فأصبحوا جسدا واحدا.. قويا.. رضي الله عنهم وعنا..
إلى من يحبون أن يجعلوا الدين “مسألة شخصية” لا تتعدى الفرد.. وإلى من يريدون أن يفرقوا بين “الدين والسياسة”… وإلى من يفرقون بين “الدين والدنيا”.. وإلى من يريد الإسلام صلاة فرائض فقط و”تقاليد” أعياد وطقوسا فقط تطغى العادات فيها على السنة الغراء وروحها ٢.. وبطاقات تهنئة تنسخ وترسل دوريا -أوتوماتيكيا دون استحضار معنى أو حضور حال أو تجديد نية وشحذ عزم- وكفى.. أو رحلة حج تتوج بلقب “حاج” وعمرات وحسنات “فردية” لا تغني ولا تسمن من جوع وفقر وتهميش “جماعي”.. عام واسع كثير.. هذا درس الهجرة المتجدد..
إن القوة منبعها ومولدها ومؤججها الحب والكينونة “مع” المحبوب و”مع” المحبين:
“ورسول الله صلى الله عليه وسلم في الهجرة قال لأبي بكر الصديق: ‘لا تحزن’ ولم يقل ‘لا تخف’. لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ ‘مَعَنَا’.. فيعيش المؤمن وتعيش الجماعة السكينة والطمأنينة والثبات والاستقرار باليقين في وعده تعالى.
إذا كنا ‘مع’ الله و’مع’ أوامره و’مع’ نواهيه و’مع’ الارتباط به و’مع’ ذكره فهو سبحانه سيكون ‘معنا’.
الصحابة الَّذِينَ ‘مَعَهُ’ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ اكتسبوا هذه الرحمة فيما بينهم بمعية رسول الله الله صلى الله عليه وسلم وهو (صلى الله عليه وسلم) الوسيلة التي اكتسبوا بها معية الله تعالى.
والتاريخ يعيد نفسه.
إذا، ورثة رسول الله صلى الله عليه وسلم في كل عصر وفي كل زمان، الذين يجددون دين الله تعالى ودعوته، لا بد فيهم من هذه المعية. والرحمة بين المؤمنين تولد الشدة على الظلمة والفسقة والطغاة والكفرة وعلى المجرمين.
بدون هذه الرحمة السائدة بين المؤمنين والتي تبني منهم جسدا واحدا لا يمكن أن نقف في وجه الطغيان والفساد والظلم”.١
____________
١. “من معاني الهجرة” مع الأستاذ محمد عبادي
