بسم الله الرحمن الرحيم
كاتدرائية داكار – التاسعة والنصف مساء..
خرج الاسقف بخطى بطيئة وقد أصر أن ينزل معي من الطابق العلوي للكاتدرائية ليرافقني إلى الخارج.. وفي طريقنا نحو البوابة الحديدية التي تفصل حديقة الكنيسة عن الشارع.. توقف وقال لنفسه بصوت واضح : “كم هو صعب أن تكتشف أنك كنت مخطئا لسنين”
(Que c’est dur de réaliser que tu as été dans l’erreur depuis tout ce temps)..
قبل ساعة ونصف.. كان الأسقف الكاثوليكي في وضع يستحيل معه النقاش..
دخلت عليه -وكنت قد أخذت موعدا قبل أيام- فوجدته في موقف دفاع مستميت..
لم يكن أول نصراني كاثوليكي بهذا الانغلاق ورفض الاستماع ولا آخرهم.. وقد مر معنا اسقف كنيسة كوتونو في حلقة سابقة..
سألني مباشرة : “ما هو هدفك من الزيارة ؟ أظن أنك مسلم.. أليس كذلك..”..
كانت ملامحه ونظراته وحركاته تنم عن الجواب لسؤاله.. لسان حاله يقول : لننه اللقاء حالا.. لا أريد سماع شيء من مسلم البتة..
والحقيقة أن الإعلام لم يكن في صالحي.. بتاتا.. فقد ارتكبت فظاعات في تلك الفترة ونسبت للإسلام.. كالعادة.. لا لمن ارتكبوها..
أأنسحب ؟ فالرجل لديه حساسية مفرطة من كل ما هو إسلامي.. لن يتقبل مني كلمة واحدة..
علي أن أقلب كل هذه القوة الرافضة القامعة لصالحي.. لا يريدني أن أتكلم.. إذا فليتكلم هو..
قلت له :
“سيدي.. أنا ولدت في بلد مسلم.. لم أختر ذلك.. لذلك لم أرد أن آخذ الإسلام هكذا بدون تفكير أو دراسة.. فدرست التوراة والأناجيل الأربعة وقرأت كتب البوذية والهندوسية وغيرها.. وجئت هنا -كما أفعل حيثما كنت وسنحت لي فرصة للتعلم- حتى أطلب منكم شيئا واحدا”..
“ما هو ؟”
– “أريد منك سيدي -بعد انتهاء لقاءنا- أن ننزل إلى الكنيسة وأسجد لسيدنا عيسى..”
– تعجب الراهب وقال: كيف ذلك ؟ انت مسلم..
تحولت نظرة الرجل ونبرته من الرفض المبدئي للحوار إلى اهتمام.. وطمع..
– سيدي، في قرآن المسلمين آية تقول :{قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَٰنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ} (الزخرف 81)..
أريد أن أطبق ما في الآية.. وما مجيئي هنا إلا لتؤكد لي وأقتنع أن [سيدنا] عيسى [عليه السلام] ولد الله.. “
هنا.. انفرجت أسارير محاوري.. وبدأ تبشيره.. بحماس وثقة..
تركته حتى أفرغ كل ما في جعبته.. أخذ من وقت الحوار شطره وأكثر..
ولم يكن في جعبة محاوري (وليس هذا استثناء) إلا مزيج من الاستمالة العاطفية.. وحديث مستفيض عن المحبة (يكذبه بشكل صارخ تاريخ الكنيسة الدموي العنيف).. وكثير من “الدوغمات” التي لا سند لها حتى في كتابه المقدس.. ولا شيء مما يتقبله المنطق البشري..
عندما انتهى.. قلت له..
– “ما قلته سيدي جميل.. لكنه ليس منطقيا مقارنة بما جاء في القرآن الكريم.. وحتى إنه ليس موجودا في الإنجيل..”..
“كيف ذلك ؟ “
سؤال فتح به الأسقف -الرافض للحوار-.. دوري في الكلام..
(يتبع)..
