عندما نسأل عن العلاقة بين السنة النبوية والمنهاج النبوي، لا نقف عند الجواب -المحتمل*- لسيدنا ابن عباس ترجمان القرآن -رضي الله عنه- القائل بأن المنهاج هو السنة.. وقوف المردد الحرفيّ لقول موجز قد يراد منه أكثر مما يظهر منه.. وذلك لأسباب منها :
1- إن قول سيدنا عباس قد يكون من قبيل الإجمال والتعميم والأهمية لا من وجه التطابق التام.. كقول رسول الله صلى الله عليه وسلم عن شعبة واحدة من الدين “الدين النصيحة”.. وعن منسك واحد في الحجّ “الحج عرفات”..
2- إن ما نُقل عن حبر الأمة -رضي الله عنه- جزء مما قد يكون قاله في تفصيل معنى “المنهاج” القرآني وربما لم ينقل عنه غيره.. فهو لا يعدو أن يكون عنوانا يحتاج تفصيلا..
3- لو كان الأمر مطابقة تامة بين المفهومين (السنة والمنهاج) لما احتاج الأمر من الإمام المجدد عبد السلام ياسين -رحمه الله- التفصيل في المنهاج النبوي في أزيد من خمسين (50) مؤلفا ومئات الساعات من التبيين المباشر المسجل..
4- إن مقارنة مفهوم السنة بمفهوم المنهاج (مفهوم ثانٍ) قد تساعدنا في استبيان اختلاف علماء الأمة حول مضامين السنة (أقوال وأفعال وتقريرات رسول الله عيه الصلاة والسلام وشمولها -أو لا- لتصرفاته الجبلية وحاله الشريف وصفات الخلقية..) وبالتالي قد تساعدنا في محاولة فهم السنة الكاملة..
5- جاء في تفسير “شرعة ومنهاجا” قول وعكسه.. أو رواية وعكسها.. : نقرأ لابن كثير “وقوله : ( لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) قال ابن أبي حاتم : حدثنا أبو سعيد الأشج حدثنا أبو خالد الأحمر عن يوسف بن أبي إسحاق عن أبيه ، عن التميمي عن ابن عباس : ( لكل جعلنا منكم شرعة ) قال : سبيلا .
وحدثنا أبو سعيد حدثنا وكيع عن سفيان عن أبي إسحاق عن التميمي عن ابن عباس : ( ومنهاجا ) قال : وسنة . وكذا روى العوفي عن ابن عباس : ( شرعة ومنهاجا ) سبيلا وسنة .
وكذا روي عن مجاهد وعكرمة والحسن البصري وقتادة والضحاك والسدي وأبي إسحاق السبيعي أنهم قالوا في قوله : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سبيلا وسنة .
وعن ابن عباس ومجاهد أيضا وعطاء الخراساني عكسه : ( شرعة ومنهاجا ) أي : سنة وسبيلا ، والأول أنسب..”
والجملة الأخيرة -أعني “والأول أنسب”- حكمٌ لابن كثير رحمه الله..
وعلى كلٍّ، فإن “المنهاج” و”السنة” النبويّين كلمتان وردتا في القرآن والحديث.. ولكل واحدة منهما خاصيات -ذاتية على الأقل بسب الاختلاف في تحديد مضامين السنة النبوية- سنحاول تبيّنها..
والله وليٌ التوفيق..
_________________
* بهذه الصيغة لأن هناك رواية مختلفة (أنظر الفقرة 5)
