

“عندما تخطئ”الجزيرة” خطأ كبيرا ! : في تقرير ‘القدس عبر التاريخ العربي الدائم.. واليهودي الطارئ’ ” (انظر الصورة)
هو ليس خطأ الجزيرة فحسب.. مع احترامي الكبير لمهنية هذه القناة.. فقد اعتاد كثير من مثقفينا (وحتى بعض علماء الدين) أن يربطوا بين رسل الله -عليهم السلام- وبين “اليهودية”.. وإن كان في نية بعضهم أن يبينوا أن اليهود الحاليين طارئون.. سياسيا..
تطبيع من حيث لا يعلمون..
وافتراء على رسل مسلمين..
يقول تقرير الجزيرة :” دام حكم اليهود للقدس 73 عاماً طوال تاريخها الذي امتد لأكثر من خمسة آلاف سنة. فقد استطاع داود السيطرة على المدينة في عام 977 أو 1000 ق.م وسماها مدينة داود وشيد بها قصراً وعدة حصون ودام حكمه 40 عاماً. ثم خلفه من بعده ولده سليمان الذي حكمها 33 عاماً.”.. (1)
وكأن سادتنا داوود وسليمان -عليهما السلام- كانوا يهودا..!! استغفر الله.. وكأن المشكل يكمن في أنهم حكموا 73 سنة فقط.. ما يعطي الحق الأكبر في ملكية الأرض لشعب ٱخر عاش فترة أطول في نفس المكان..
خطأ تاريخي هو قبل أن يكون “دينيا”..
ولو أن كاتب التقرير عمّق بحثه، وتحلّى بالموضوعية الصحفية، لوجد أحسن مما أراد.. لوجد أن اليهود طارئون في التاريخ الانساني كمجموعة دينية اتخذت “دينا” جديدا مبتكرا سمته “اليهودية”.. لم ينزل به الوحي..
ف”اليهودية” (وليس اليهود، القوم) اسم غير موجود لا في التوراة ولا حتى في العبرية القديمة.. فهي نسبة “عرقية قبلية” لشخص لم يكن نبيا أصلا (“يهوذا” ابن سيدنا يعقوب عليه السلام).. حسب تفاسير التوراة..
جاء في الموسوعة اليهودية (Encyclopædia Judaïca) تحت مفردة يهودي “jew” :
“كلمة “يهودي jew” ترجع إلى الكلمة العبرية “يهودي yehudi”، وقد جاء هذا المصطلح -في الأصل- لتسمية أفراد قبيلة يهوذا رابع ابناء يعقوب الأب”
[“The word “jew” therefore, is ultimately traced to the Hebrew Yehudi, a term which originally applied to members of the tribe of Judah, the fourth son of the patriarch Jacob”]
هي قبيلة.. أو مملكة (ولا دليل قاطع على أنهما وجدتا أصلا في فلسطين).. أخذتا اسمهما من “يهوذا”.. ولم تعنِ الكلمة في الأصل دينا سماويا ولا شريعة سماوية..
فالله عزّ وجلّ لم يبعث سيدنا ابراهيم ولا سيدنا موسى ب”اليهودية”.. بل بالإسلام..
هذه كلمة طارئة كما جاء في القرٱن الكريم بمنطق كرونولوجي جميل، فصل يخاطب العقل -كما يظهر من سؤال “أَفَلَا تَعْقِلُونَ؟”- منطق لا ينتبه إليه عدد كبير من الناس :
{ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنجِيلُ إِلَّا مِن بَعْدِهِ ۚ أَفَلَا تَعْقِلُونَ } (آل عمران – 65)
“من بعده”..
أي “من بعده”.. اخترعت هذه الكلمات : “يهودية”، “نصرانية”.. [من طرف أناس احتكروا التوراة بعد سيدنا موسى والانجيل بعد سيدنا عيسى عليهما السلام].. فكيف تريدون إلصاق كلمة “اليهودية” به وهي لم تكن موجودة على عهده ؟.. هذا لا يعقل ؟
قبل أن يخلص إلى النتيجة المنطقية العقلية :
{ مَا كَانَ إِبْرَٰهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } (آل عمران – 67)
كان سيدنا ابراهيم مسلما لأن اسم “يهودية” – ببساطة الحق- اخترع من بعده.. أي من بعد ولادة “يهوذا” بمئات السنين.. وانتساب عدد من الأحبار (الذين “هادوا” باختيارهم لا وحيا) له عوض الانتساب لله..
وهذا التمييز بين الدين الأصيل والمخترع نجده في هذه الٱية :
{إِنَّآ أَنزَلْنَا ٱلتَّوْرَىٰةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ ۚ يَحْكُمُ بِهَا ٱلنَّبِيُّونَ ٱلَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ.. } (المائدة – 44)
فالتوراة نزلت إذا على انبياء “أسلموا” أي سيدنا موسى ومن بعده سيدنا داوود وسيدنا سليمان.. وغيرهم.. يحكمون بما فيها من إسلام وإن كان فيهم أحبار “هادوا” أي تعصبوا إلى قبيلة يهوذا فقط..
عصبية قبلية.. نجح اليهود في أن يجعلوا منها “دينا”..
وللإشارة والدليل، ففي نابلس -حتى الٱن بفلسطين- سامريون يدينون بالتوراة.. يعتبرون انفسهم ابناء اسرائيل (سيدنا يعقوب عليه السلام) الحقيقيين.. وليسوا يهودا.. ويكرهون أن ينعتوا باليهود.. لأنهم ببساطة ليسوا من سبط يهوذا.. بل من سبط نبي الله يوسف عليه السلام..
وما يؤلمني كثيرا أن أقرأ لمسلمين -بدعوى التقارب والتسامح وحتى التميز للدفاع عن أرض المسجد الأقصى- من يقسم الدين إلى “ثلاثة أديان” يصفها ب”السماوية” وهي لم ترد في الكتب السماوية حتى بعد تحريفها.. أو ب”التوحيدية” (والاسم طارئ 1660م وضعه فيلسوف انجليزي اسمه هنري مور).. أو “الابراهيمية” (والاسم طارئ وضعه جاسوس فرنسي اسمه لويس ماسينيون سنة 1949م.. عدا أن اسم “إبراهيمي” لا ينسب الدين إلى الله وإنما إلى بشر رسول.. خلت من قبله رسل.. ما كان دينهم إذا قبل ولادة يهوذا..؟)
لا يفهم هؤلاء أن بتفريقهم لدين الله يعينون المستعمر من حيث لا يعلمون… بجعلهم اليهودية “دينا” أقدم من الاسلام !
“ببغائية” نكتب وندعو حتى تتوقف.. وحتى نفهم الإسلام دينا ليس مبعوثا لطائفة معينة بل للناس أجمعين.. دينا لم يأت بعد “ديانات” أخرى.. بل هو إسلام سيدنا ٱدم وكل الرسل المسلمين -عليهم السلام-.. لندعو الناس إلى دين الله الواحد.. لا إلى دين طائفة.. ف {إن الدين عند الله الإسلام}.. إسلام الوجه لله..
“الدين” في القرٱن كلمة مفردة.. معرفة..
تحدثنا في العنوان عن خطإ كبير.. وهما في الأصل خطٱن كبيران في تقرير الجزيرة :
أما الخطأ الثاني فهو “مدينة داوود” التي وردت في التقرير أنها في القدس.. والحقيقة العلمية هي أن علماء الٱثار لم يتركوا شبرا في مدينة المسجد الأقصى لم يحفروه.. فما وجدوا أثرا ل”مدينة داوود”.. التي يتحدث عنها المقال وكأنها حقيقة.. ولا وجدوا “قصرها” ولا “حصونها العديدة”.. بل ما وجدوا أثرا لجلّ ما ورد ذكره في التوراة..
ولو وجدوها لكانوا -بإعلامهم العالمي- أقاموا الدنيا ولم يقعدوها..
نقل وتقليد لأساطير اسس لها الاستعمار الصهيوني مدة قرنين وأكثر.. ولأسماء أماكن ذكرت في التوراة وضعت بتعسّف خيالي -لا جغرافي ولا تاريخي- على خارطة “فلسطين”.. ولا علاقة لها بتلك البقعة المقدسة..
واسألوا كبير اركيوليوجييهم “يسرائيل فلكنشتاين” (2) إن كنتم لا تعلمون…
قال عالم الحفريات الشهير بالحرف : “مدينة داوود اسم نجده في التوراة لكن لا نعرف أين توجد بالتحديد..” (3)
“The ‘City of David’ is a term we do find in the Bible, however we do not exactly know where it is.”
ولا حول ولا قوّة إلا بالله العلي العظيم..
_________________
(1) تقرير “القدس عبر التاريخ العربي الدائم.. واليهودي الطارئ” تاريخ النشر 3/10/2004 (aljazeera.net)
(2) يسرايل فلكنشتاين. نورد سيرته الذاتية لمعرفة أهمية شهادته :
Israel Finkelstein :
– Professor Emeritus of the Archaeology of “Israel” in the Bronze and Iron Ages at Tel-Aviv University.
– Member of the “Israel” Academy of Sciences and Humanities,
– ‘Associé étranger’ of the French Académie des Inscriptions et Belles Lettres
– International Honorary Member of the American Academy of Arts & Sciences.
– Laureate of the Dan David Prize in the Past Dimension, Archaeology, 2005.
– Named Chevalier de l’Ordre des Arts et des Lettres by the French Minister of Culture in 2009
– Doctorate honoris causa from the University of Lausanne in 2010.
– Winner of the Prix Delalande Guérineau (2014)
– Awarded by the Institut de France, l’Académie des Inscriptions et Belles-Lettres.
(3) الدقيقة 11 من مداخلته في معهد الدراسات المعمقة IAS
Institute for Advanced Study – 1 Einstein Drive
Princeton, New Jersey
08540 USA
Public Lecture: “Jerusalem in Biblical Times: Comments on the Archaeology and History ca. 1350—100 B.C.E.”.
November 09, 2018 5:30pm – 7:00pm – at Wolfensohn Hall
