اللهم صل على سيدنا محمد صلاة تعادل ما قدمه لملايير الناس عبر القرون وإلى يوم يبعثون..
في هذه الأيام المباركة التي نحتفل بها بمولد منقذ الإنسانية.. سيد ولد آدم عليه ازكى وأطيب الصلوات والتسليم.. نذكر سيرته وننهيها غالبا بمرضه وانتقاله إلى ربه في مشهد مبك، مؤثر زلزل أكثر أصحابه قوة ورجاحة عقل..
مشهد مبك بلا شك.. وإن أعدناه آلاف المرات..
لكن ما يبكيني ليست لحظة الفراق بعينها.. فأنا ما عشت بين الصحابه الذين عاشروه يوميا والذين فارقهم فعلا جسده الشريف..
ما يبكيني ليست لحظة مفارقة روحه الصافية المطمئنة لجسده الشريف وهي إلى ربها راجعة عارجة.. كيف وهو -صلى الله عليه وسلم- ملاق ربه دوما وحينها.. كيف وهو الآن وغدا حي تعرض عليه أعمالنا دوريا.. وإن ثوى جسده الشريف في المسجد النبوي المنور به..
نعم.. إن رسول الله حي بيننا.. أليس نبينا -لمن يضيع عمره في البحث عن دليل خطي عوض البحث عن دليل يمشي على الأرض- سيد أسياد الشهداء الأحياء عند ربهم يرزقون.. ولكن لا تشعرون..
عند ذكر مرض رسول الله وسكرات ذكرها.. لا أبكي “نهاية” سيرة فهي ليست نهاية.. إنما أبكي تأثرا بتعب وإجهاد من أعطى كل شيء للآخرين.. عمره وجهده وقلبه وعقله.. بل وعرض جسده الشريف مرارا لخطر ضربات السيوف مباشرة وغدر الرماح والسهام..
أبكي من لم يسترح لحظة فقام وتاجر بيديه.. فأغناه الله وربح وأغنى من استثمر عنده ماله بدءا بأزواجه.. لا العكس.. وأنفق مدة ثلاث سنين في شعب أبي طالب من حر ماله وفتح بيته لإطعام المحتاجين ثلاثا وعشرين سنة وأكثر..
ابكي لتعب محارب حان الوقت ليستريح جسمه المنهك.. أبكي لمن لم يفارق قيام الليل والتهجد جيلا كاملا.. منذ خلواته في حراء إلى فرض قيام الليل من اللحظة التي تلى فيها عليه جبريل آيات المزمل الأولى.. ما كان لرسول الله أن يترك أمر ربه ينتظر..
أبكي لأنه آن لنبينا الذي سبه الأعراب وانتقصوا منه ورموه بالسحر والشعر وبالقاذورات أن يريح جسدا حرم على الأرض أن تنقص منه ذرة ..
أبكي من قال أن “الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت”..
“عمل لما بعد الموت”..
عمل عند تذكر الموت..
أي عمل بجد عند ذكر وقت الرحيل عن الأرض..
طوبى له ولمن سار على دربه.. وصدق في عهده فبذل قصارى جهده.. إلى أن غادرنا جسده..
وطوبى لمن ينتظر..
