انتشرت بين عدد كبير من المغاربة – وبخاصة أعضاء من جماعة العدل والإحسان- قبيل 2006 وأثناءها رؤى تنبئ بوقوع أحداث ما في المغرب واقترنت ب2006.. فهم منها الناس أن الرقم يشير إلى سنة معينة.. وهذا احتمال من بين احتمالات لاحصر لها..
شخصيا، لم أكن ابحث عن سماع هذه الرؤى بالذات وإلى الساعة لا أعرف ماذا رأى الناس.. وإن كنت أهتبل بالوحي كما كان يفعل رسول الله مع أصحابه عقب صلاة الصبح في جلسة الشروق*.. وإن كنت رأيت انا كذلك حدثا معينا.. لكني كنت أحس أن أمر الله في عالم الشهادة سيكون غير منتظر.. مغايرا لما رآه الجميع..
المهم أنني دعيت يوما -سنة 2007- أنا وأخ لي إلى حفل عقيقة أقامه أحد الأصدقاء.. لم أكن أعلم توجهه السياسي (وأحترم توجهه ولا زلت) حتى سمعت الحضور ينتقدون الاسلاميين ويسمونهم ب”الرجعيين” و”الظلاميين” بشكل لاذع وبتهكم زائد.. فرفعت يدي وقلت للجميع “السلام عليكم أريد فقط إخباركم أننا نحن الاثنين من جماعة العدل والإحسان أخبركم كي يمر الحفل في أجواء يسودها الاحترام المتبادل والفرح”..
تعجب الحضور وقالوا بانهم يحترمون هذه الشجاعة !! والوضوح.. لكن “الحزب” الحاضر توجه بأسئلته إلينا لمدة 4ساعات أو تزيد..
كانت فرصة للتعارف ولسبر كنه الآخر المجهول الرجعي الظلامي.. كانوا ابناء مدينة صغيرة.. وربما ابناء عمومة.. هكذا غالبا ما يتم الانتماء.. حمية تتبع حامل شهادات معروف بالمدينة أو القرية سيما وإن كان مناضلا متكلما.. لا أظنهم -من مجريات النقاش- قرؤوا جميعا لماركس ولا للينين.. المهم أن النقاش كان جيدا واكتشفوا أن الرجعيين ليسوا هم من يمنعون التقدميين من التقدم فالبلد -بلدنا جميعا- كان في المرتبة 126 (123 حاليا) أي أن نقطته في التقدم 3/10 .. مع وجود تقدميين علميين تحرريين..
بعد أربع ساعات أخرج أحدهم ورقته “الرابحة” في ظنهم.. كنا في 2007.. فقال لي : “لقد شوهتم صورتكم برؤيا 2006.. استهزأ الناس بكم في الجرائد.. ومرت 2006 ولم يحصل شيء”..
فعلا كنا أغرارا إذ نشرنا بعض الرؤى بين قوم انبهرت عقولهم بنظريات تستهزئ من الغيبيات.. بين قوم لا يعلمون أن الرؤيا وحي .. جزء من النبوة.. قوم لا يعرفون أن الرؤى تستوجب تأويلا.. لكن هذا لا يعني أننا كنا أغرارا إذ رأيناها.. ليس بيدنا.. ولا يمكن أن يتواطأ الآلاف على الكذب..
كعادتي لا انجر للدفاع.. وعلام أدافع؟ أأنكر وحيا أتى من السماء؟.. أم أضع رأسي في الرمل حتى تمر العاصفة آملا أن ينسى الناس المسألة؟..كلا والله: فليس خطأ اننا رأينا.. بل ربما كان اختيارا منه سبحانه لعلم عنده.. إ
نزلت من على سرر الصالون المغربي وجلست أرضا -ليس فقط لأن 4 ساعات من الجدل أمام فرقة ذات العدد مرهقة جدا لكن- بدلت الوضع مسرحيا حتى يتذكر الجميع هذه المرحلة من النقاش.. وقلت :
– “هذه رؤى نبوية..
فقامت القيامة.. وكان منتظرا أن ينفعلوا..
-” كيف ولم يحدث شيء .. كيف وقد ذهبت مصداقيتكم..
وكان الكلام ينهال علينا من 15 شخصا أو يزيدون.. لكنني لم أفقد صبرا آتانيه الله ذلك اليوم..
هنا استدركت قائلا.. وقد زدت في النار شحما..
– “عفوا.. لم أكن دقيقا في التعبير.. هذه الرؤى ربانية قرآنية..
فعلا الصراخ أكثر.. وعلت أيادي الاستنكار.. وقام بعضهم وخرج خطوة ورجع مظهرا “استنكاره وإدانته الشديدة” اتجاه عبث ما أقوله.. فانتظرت أن تمر العاصفة.. ثم واصلت لكن بعد أن صمتوا تماما..
“ما اردت قوله أن هذه الرؤى تشبه تماما رؤى الأنبياء في القرآن..
فقاموا وقعدوا بل بحث أحد الفضلاء العلمانيين عن مصحف!!.. استحضر هذه اللقطة لأنهم موضوعيا لم يكونوا من المصلين.. فقد صلينا العصر مثنى فقط.. ومن نقاشهم لم يكن الدين إلا أساطير الأولين..
قال لي أحدهم
– “وما تقول عن رؤيا إبراهيم؟
– قلت “سيدنا ابراهيم عليه السلام..
-قال “أجبني؟
-سألته ” ماذا رأى سيدنا ابراهيم عليه السلام؟
-قال مخطأ قراءة الآية “(إني أرى في المنام أني أذبحك) استحضر بلا شك ما كان سمعه أيام المسيد (الكتاب)
فقلت على التو:
-“وهل ذبحه؟
فقال مرتبكا.. لكن.. الكبش .. السماء..
فقلت مركزا ومذكرا ومعيدا سؤالي.. متعمدا الوقوف على كل حرف منه:
“هل ذ-ب-ح-ه؟
لم يستطع الإجابه فالرؤيا مخالفة تماما لما حصل على الأرض..
هنا قلت.. “هل من أحد آخر؟ هل هناك رؤيا أخرى؟
.. فانقض أحدهم .. صارخا..
-“يوسف!
-قلت “سيدنا يوسف علي السلام.. نعم ماذا رأى؟
فقرأ :
-“(إنى رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين)
فقلت على الفور:
-“وهذا لم يحدث في الواقع..
فقال
-” ابوه .. أمه.. سجدوا..
قلت “اب.. أم..!! عن أي شيء تتحدث؟؟ لقد قلت شمسا وقمرا وكواكب.. وتقول لي أب وأم.. بشر..؟؟..
ثم واصلت:
-“هذا تأويله وفهمه بعد عدة سنين حين كبر.. حين كان صغيرا لم ير أبويه وإخوته في الرؤيا.. ولم يفهم أنهما المقصودين بالرؤيا حين رآها.. الرؤيا فيها نجم وكواكب تسجد.. لم يقع هذا في الواقع.. لم تنزل الكواكب كما في الرؤيا ولم تسجد..هل هنالك أحد آخر ورؤيا أخرى من القرآن الكريم..؟
فهم الجميع المعنى بلغتهم ومنطقهم..
في سنة 2008 سألنا عارف بالله “ما تقولون للناس إن سألوكم عن 2006؟”
كيف يسأل بعد سنتين عن شيء وقع مند اكثر من سنتين؟ ثم إن هناك من الناس من يود نسيانه وكأنه خطيئة..
كنت قبل الدخول إلى منزل العارف -رحمه الله واجزل له الثواب بما فتح أفقنا وعلمنا رحابة الدين وزكانا- أقسمت ألا أتكلم في حضرته لما كنت أرى في نفسي من تقصير في يوم المؤمن وليلته خلال تلك الأيام..
لم يجب أحد.. فبدأ يوجه السؤال إلى كل منا..
حين وصل دوري قلت -كي اتهرب من الكلام- “لا أعرف.. أريد فقط رضاك..
فقال وهو يرفع كفه برفق إلى الأعلى “هذه عاطفة!.. ما أنت قائل للناس إن سألوك؟
لم يبق مجال للهرب.. فأجبت “لقد حدث هذا منذ شهور .. حاول أعضاء حزب تقدمي ان يستهزؤا بي..
فقال مبتسما محفزا.. : “وماذا فعلت؟
فأجبت.. أعتذر سيدي لكني “تفليت عليهم” (أي استهزأت بهم باللهجة المغربية -كما أرادوا أن يستهزؤوا بي وبالمسلمين-)
فواصل وهو يحبس الضحك “ماذا قلت لهم؟
فحكيت له الجزء الأخير من القصة أعلاه حتى انتهيت عند رؤيا يوسف .. فرجع إلى الوراء قليلا وتبسم ضاحكا للحظة ضحكته الجميلة.. ثم تقدم نحوي وقال -مكملا على نهج حواري مع الفضلاء الديموقراطيين تماما وبنفس الأسلوب الذي اعتمدته :
-” وسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؟ .. رأى أنه يطوف بالبيت.. هل طاف؟
أو كما قال.. كان يعني “فتح” الحذيبية..
تم واصل ضحكتة وتبسمه..
رحمه الله تعالى ورحمني معه.. ورحمنا معه..
* عَنْ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ رَضِيَ الله عَنْهُ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا صَلَّى صَلَاةً أَقْبَلَ عَلَيْنَا بِوَجْهِهِ فَقَالَ: “مَنْ رَأَى مِنْكُمْ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا؟” قَالَ: فَإِنْ رَأَى أَحَدٌ قَصَّهَا فَيَقُولُ مَا شَاءَ اللَّهُ فَسَأَلَنَا يَوْمًا: “هَلْ رَأَى أَحَدٌ مِنْكُمْ رُؤْيَا؟” قُلْنَا: لَا، قَالَ: “لَكِنِّي رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رَجُلَيْنِ أَتَيَانِي فَأَخَذَا بِيَدِي فَأَخْرَجَانِي إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ… (إلى آخر الحديث الذي ورد في البخاري ومسلم)
ملاحظة : تعليق صاحب البيت mohammed elammouri :
“السلام عليك أخي مصطفى لعلك عرفتني الحكاية وقعت في بيتنا بحكمنا جيران لصديقك الذي كانت عنده العقيقة. الذي أريد أن أعلق عنه هو أنه آنداك كنت أعرف الإخوة إلا أني كنت غير مقتنع بالإنخراط في مشروعكم الرباني وكان ذالك النقاش من الأسباب التي جعلتني أنتمي فيما بعد إلى الجماعة. كما أن ذلك النقاش ضل مرسوخا في ذاكرتي وقد أعجبتني طريقتك في الحوار والإقناع. فسبحان الله مدبر الكون لا يقع شيئ إلا وفيه من الحكم ما لا يعد ولا يحصا فمند ذالك اليوم وأنا أحبك في الله. تحياتي لك أخي مصطفى”
