بسم الله الرحمن الرحيم
“ما العلاقة بين المنهاج النبوي والسنة النبوية؟” (الحلقة 7) :
” شروط المجتهَد لهم : التربية على شعب الإيمان وتجاوز الذهنية الرعوية “
رأينا في الحلقة الرابعة شروط المجتهد كما جاءت مجملة في الفقه المنهاجي الجامع وأبرزها شروط العلم والصلاح على شعب الإيمان البضع والسبعين الممكن قياس مجموعها (لا شروط الصلاح العامة في صيغة معاييرها وفي قلة عدد معاييرها.. الخاضعة لتقييم ذاتي صعب القياس كما في أصول الفقه الموروث.. لانتفاء المعايشة اليومية والمشاركة في مشروع جهادي دائم متواصل.. )
وسنرى في حلقة قادمة بعض مقتضيات هذه الشروط واختلافها النوعي عن شروط صلاح وعلم المجتهد المطلق في الفقه الموروث.
وقبل ذلك نؤكد على أن من مقتضيات التربية على المنهاج النبوي شرط الصحبة والجماعة الني تجعل من المجتهدين أعضاء في جماعة مجاهدة تضم المجتهَد لهم كذلك (أعضاء ومدعويين).. يتربى الجانبان بنفس المنهاج ويحرص الجانبان على جمع أكبر مجموع من خصال الإيمان..
وبذلك نكون أمام مجتهِدين مفتين و”مجتهَد لهم” في مستوى يؤهلهم لتخطي عقبات الإمعية والذهنية الرعوية..
والذهنية الرعوية هي ذهنية من ينتظر أن يُفعل به ولا يَفعل..
من ينتظر أن يُفتى له.. بسلبية.. دون أن يستفيَ نفسه.. دون أن يدعو ربّه ويناجيه ويستخيره.. دون أن يُسائل من أفتاه للفهم أو للتدقيق.. دون أن يجعل أولويات في أسئلته ودون أن يفكر في التفريق بين ما يرجع فيه إلى طلب الفتوى وما تكفي فيه الاستشارة وما تكفي فيه كفاءة اتخاذ القرار الفردي بحساب النتائج الممكنة..
إن مأساة بعض كبار الصالحين عبر تاريخ المسلمين أنهم جاهدوا مع من لم تكتمل تربيتهم ما أدى إلى خلل في فعالية القومات.
فالجهاد يكون أنجع مع رِبِّيين..
ربانيين..
ومع مؤمنين.. يسيرون إلى ربهم… في طريق الربانية..
والاجتهاد جهاد.. في الأصل والفعل والغاية..
لهذا فالاجتهاد المنهاجي يتطلب من المجتهَد لهم أن يكونوا على مستوى معتبر من التربية الإسلامية.. بمقتضى عضوية المجتهد في جماعة مجاهدة وبمقتضى كون جزء من المجتهَد لهم من نفس الجماعة أو من جماعات إسلامية إصلاحية أخرى أو ممن يرجى التحاقهم بسلك التربية الإيمانية..
بالتربية على خصال المنهاج النبوي يُصنع مجتهدون أحياء بالإيمان يفتون أحياء بالإيمان لا غثاء سيل..
وإلا فإننا نرى تكاثر الطلب السلبي للإفتاء في الفضائيات وأمثلة لفتاوى عابرة للجغرافيا تنم عن عدم معرفة المفتي بواقع المفتى له..
وأعطي مثلا لفتوى “مجتهد” من بلد يفيض نفطا لشاب يعمل في بنك في بلد فقير.. يفتيه بترك عمله لأن ماله من الربا..
وأقسم بالله أن المجتهد لا يعرف معدل البطالة في بلد المفتَى له.. لسبب بسيط هو أن المعدل الرسمي خاطئ جدا.. حتى ولو عرفه..
لا يمكن لمجتهد لا يخشى الفقر (ليس ورعا وإنما ريعا) لما يتلقى من هبات من الدولة والأمراء أن يفتي شعبا يخشى الفقر..
وهنا يظهر جمال شرط العضوية في جماعة مجاهدة… أن يكون قريبا من الناس.. أن يكون “منهم”.. يعرف البئر وغطاءه.. كما يقول المصريون..
ثم هل أستمع لمن يفتيني بالفقر (أي بالمخاطرة بشعبة “التكسب”.. دون شرط مسبق لتنفيذ الفتوى.. كإيجاد وظيفة أخرى قبل ترك العمل الأول مثلا).. قلت : وهل أستمع لمن يفتيني بالمخاطرة برزق عائلتي ولا يفتي أمراءه بأداء فرض زكاة الركاز على النفط ؟
إلى حلقة قادمة..
تحذير: ما أكتبه في هذه السلسلة نتيجة فهم شخصي فقط.. فأعينوني بما أفاض الله عليكم به من علم.. وقوموني إن أخطأت.. فالدين النصيحة..
