بسم الله الرحمن الرحيم
“ما العلاقة بين المنهاج النبوي والسنة النبوية؟” (الحلقة 9) :
” السنة “نبوية” أوّلاً نسبة لحضور شخص “النبي” ﷺ “
ليس الأمر بالبداهة المتوقعة.. فما سُمِّيت السنة بالنبوية إلا لوجود “شخص” النبي..
وأنبياء ثم خلفاء وتابعين ورثة للأنبياء…
“رجال”..
لا كتب حديث وسيرة.. فقط..
وهكذا فإن المنهاج النبوي هو تركيز على شخص الهادي إلى الله كمصدر للسنة.. مبلغا ومربيا وقدوة ومصحوبا ومعلما وقائدا وحاكما بما أنزل الله..
وهي سنة من يأتون بعد الأنبياء حاملين أمانة تبليغ رسالة رب العالمين :
{ قُلْ هَٰذِهِۦ سَبِيلِىٓ أَدْعُوٓاْ إِلَى ٱللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا۠ وَمَنِ ٱتَّبَعَنِى..} (يوسف 108)
فأولى خصال المنهاج النبوي “الصحبة والجماعة” التي تجمع شعب الحب والاتباع.. (حب الله ورسوله، التأسي برسول الله في بيته.. الزواج.. )..
فاتباع سنة الأنبياء ومن تبعهم يكون عن حب لشخصهم وبحب.. أي بصحبة.. لا بحفظ سند الحديث وحوادث السيرة ومناقب الأنبياء وحوارييهم فقط..
{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ..} (آل عمران 31)
ليس الرسول حامل رسالة فقط.. بل هو الرسالة.. تمشي بين الناس..
شخص النبي أهم عنصر في تبليغ الرسالة..
وأول وظيفة السنة بعد تبليغ الوحي التربية أو التزكية.. في شخص الرسول المرشد الهادي..
{هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ} ( الجمعة 2)
ويزكيهم..
وكل عناصر “التربية” مبثوثة في أحاديث رسول الله وسيرته.. ما وجدت “مربيا” وليا مرشدا…
وجود المربي وارث نور النبوة.. أهم عنصر في السنة النبوية إذ هو من يوصلها بقلبه السليم الذي يفقه ويعقل مقاصدها وأحكامها.. لكنه ليس “يقتنى” مع الكتب التسعة.. إنما هو هدى من الله..
ومن يضلل فلن تجد له وليا مرشدا..
يقول الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله، مكتشف المنهاج النّبوي ومؤثل علومه :
“..ويبدو الأمر وكأن مفكري الإسلام نسوا هذه الظاهرة التي فتنت معاصري الرسول الكريم، ظاهرة الاهتداء المفاجئ والتحول الغريب الذي يطرأ على المرء بمجرد اتصاله بحامل الرسالة الإلهية. فقال الناس ساحر، وحق لهم أن يلتمسوا وجه الشبه لما لا يعرفونه بما يعرفونه. (…) والطاقة التي تحول الناس بهذا المقدار وبهذه السرعة وتلفت كل همهم عن قيمهم الموروثة إلى قيم جديدة لا تكمن في فصاحة الداعي إلى الله المرسل من عنده ولا في رغبة المدعو وحنينه إلى تغيير ما كان فيه من عقائد وأحوال، إنما تكمن في شخص الداعي إلى الله بإذنه الذي أنزل معه نور. وهذه الطاقة هذا النور، هذا المغناطيس الروحي للداعي إلى الله الأكبر عليه صلوات الله وسلامه كانت المحرك الأول للإسلام، وهي نفسها التي تعيد إلى الإسلام حيويته كلما برز إلى الناس رجل صادق يدعو إلى الله وهو على بصيرة من أمره ورضى من ربه، وهذه الطاقة هي مناط الوراثة النبوية في قولة الرسول الكريم «العلماء ورثة الأنبياء»، باقية في هذه الأمة تفعل في الناس فعلها متى تمت شروط وجود الداعي إلى الله الوارث الصادق. وذلك قوله تعالى يخاطب رسوله: ﴿قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي﴾ يوسف، 108.” (1)
المنهاج النبوي إذا سنة ورجل -أو رجال- يتمثلون السنة على أكمل وجه.. بحبها أولا ثم بتشريعاتها وتفريعاتها..
يخلف وجود النبي بين الصحابة.. ووجود الصحابة بين التابعين.. وجود رجل بين المؤمنين.. حتى يكتمل المشهد الرسالي كما كان على عهد النبوة… على منهاج النبوة..
رسالة وبشر رسول.. ثم رجال صحبوا رسول الله ﷺ..
ثم رسالة ورجل وارث للرسول.. ثم رجال صحبوا من صحبوا اصحاب رسول الله ﷺ..
قال صلى الله عليه وسلم مسلما شعلة النبوة لجماعة الصحابة الراشدين من بعده :
“.. فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، تَمَسَّكُوا بِهَا، وَعَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ ” (2) ..
وهكذا إلى يوم الدين..
ما وجد الراشدون..
_________________________
(1) الاسلام بين الدعوة والدولة ص 18-19
(2) أخرجه الأئمة أحمد وأبو داود وابن حبان والطبراني والحاكم وغيرهم.
