Management & Leadership True Experts
بسم الله الرحمن الرحيم. اللهم اللهم اللهم رحمتك وعفوك وفضلك وفتحك.
في الجزء الأول من الحلقة الرابعة عشرة رأينا عجز عبقري الكيمياء عن تفسير كنه النار.. لفتى يحاول الإبقاء على فطرته.. بل يتشوف إلى العودة إلى كمال الفطرة الأولى..
هل كان الأمر أكبر من عبقرينا؟
كلا !.. بل لم يكن السؤال من اختصاصه بكل بساطة..
وقد وفى الرجل بوعده.. فقد تلقيت جوابه عبر البريد الالكتروني بعد عودتي إلى وطني…
فتحت الرسالة.. ومن طولها فهمت أنه لم يتوصل للإجابة.. فالحقيقة سهلة دائما.. تحتملها بضع كلمات فقط..
قرأت فإذا هو تفصيل لجوابه الأول الخاطىء.. عززه ببعض الكلمات العلمية الغريبة التي توحي للمتسرع بأنها صعبة أو ذكية.. أجبته على الفور بأدب “شكرا سيدي.. لقد أفادتني إجابتك “..
لم أرد أن أفجع الرجل في حبه.. ولا أن أخدش كرامة عالم في السبعين من عمره.. لم أرد أن أنغص عليه آخر أيام حياته..
لكنني بقيت بلا جواب..
ومر عام أو أكثر.. وبدون تفكير مسبق.. وقعت الإجابة في خلدي.. وأنا أمشي.. وأنا “أفكر” في أشياء أخرى لا علاقة لها بالكيمياء لا من قريب ولا من بعيد…
نزل الجواب فجأة… ففرحت فرح المكتشف..
لم يكن العبقري قاصرا في فهمه.. إنما كانت السؤال في غير تخصصه..
كان الجواب “فيزيائيا” وليس “كيميائيا”..
إن ما يحدث الشرارة (أو اللهب أو النار) أول الأمر ليس التفاعل الكيميائي.. وإنما احتكاك الكترونات المادة ببعضها البعض.. احتكاك يولد “طاقة” تظهر على شكل “حرارة” وتظهر للعين كأنها “ضوء”.. وتلازم هذا الضوء وهذه الحرارة يعطينا النار.. بإضاءتها وإحراقها..
لكن لماذا أوردنا هذه القصة في فقه الريادة؟
اوردنا القصة الواقعية لسبب أساسي ومحوري: وهو أن علوم التسيير والريادة -وإن كان يدرسها اساتذة ودكاترة ألفوا أطروحات بعد أن راكموا معرفة من سبقوهم أو كان يدرسها مسيرون “ناجحون” حسب معايير معينة- فإنهم ليسوا بالضرورة أهل التخصص الحقيقيين في الميدان.. وليسوا أكثر الناس فهما لموضوعهم: الإنسان..
إن هذه العلوم أصلها الإنسان.. ولا يعرف الإنسان حق المعرفة إلا خالقه أو من أذن له خالقه بمعرفة حقيقة النفس البشرية..
هؤلاء الحكماء الذين نرجع إليهم في “فقه الريادة” ونهيب بالعاملين في المجال أن يرجعوا إليهم، هم “أهل الله”.. أولياؤه.. الذين جاهدوا أنفسهم حق المجاهدة فعرفوا كيف تتلون النفس البشرية وكيف تروض وكيف تطمئن..
هؤلاء “الخبراء” الحقيقيون -ورثة الأنبياء- استطاعوا أن يؤثروا في النفس الانسانية -نفسهم أولا- حتى صاروا مغناطيسا يلتف من حوله الناس.. صاروا روادا مؤثرين بنورانيتهم -كما أثر الانبياء اساتذتهم- فغيروا الكون كله وليس فقط بضع مؤسسات وشركات..
ولا نعني بالحكماء من لبس الخرقة البرتقالية أو الحمراء من يوكيي الشرق الأدنى، بوذييهم وهندوسهم وطاوييهم وشنتوويهم.. فما انتشار تأملاتهم المقطوعة عن السماء وظاهر حكمة بعضها بل بعض هرطقاتهم في كتب “أوشو” (Osho) و”كابرا” (Capra) و “طول” Eckhart) Tolle), ومن قبلهم كبيرهم الذي علمهم “امرسون” (Ralph Waldo Emerson) وغيرهم كثير كثير.. إلا لخواء الغرب الروحي لا لقيمة ما يكتبون..
نعم هناك بعض الحكمة فيما يكتب.. بل منهم من يستقي من بعض المتصوفة ولا “حال” لهم ليفهموا مبهمه.. لكن أغلب ما يكتب.. -مصدره ،وبالتالي مآله- باطل..
(قُل لَّا يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ ۚ فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)..
لا يمكن لهؤلاء المنظرين الناقلين منهم والمجربين لجوانب من التسيير أن يكونوا هم أهم مراجع علوم التسيير والريادة.. ذلك أنه لا يمكن لهؤلاء -ولا إذن لهم ولا فتح- أن يسبروا أغوار النفس الإنسانية ولا حتى أن يتخلصوا من تحكم أنفسهم وهواهم فيهم ولا حتى من الشياطين التي لا يبعدها إلا دوام الطهارة والصلاة بكيفيتهما اللتين علمهما الله كل أنبياءه.. ولا يبعدها إلا كلام الله غير المحرف.. وذكر الله الذي ردده -منذ أن علمه سيدنا آدم- كل الأنبياء.. عليهم السلام..
حين تصادف أمثال هؤلاء الناس.. ستعرفهم من نورهم ومن وضوح دعوتهم -إن كنت في بحثك صادقا-.. وستلمس من ثمة الجانب الظلماني في دعوة غيرهم.. وإن أعجبك بعض ظاهر الحق-الذي يفضي إلى باطل- في ما يقولون ويسطرون..
وكما لم يعرف العبقري المختص في الكيمياء كنه شرارة النار..
فإن هؤلاء “المختصين” الحاليين في علوم التسيير والريادة – مختصون مؤقتا لغياب أكثر أهل الله عن هذا الميدان تنظيرا لكنهم هم الرواد الحقيقيون تصرفا- لا يعرفون أصل الشرارة التي تحرك الإنسان فيتغير كليا فيغير من حوله وما حوله..
وهذا موضوع حلقاتنا القادمة.. “الشرارة ومددها”.. (The Trigger & the Amplifier)
والحمد لله رب العالمين..
