من الأخطاء -بل الأخطار- التي يسقط فيها عدد كبير من المنظرين والمدربين انتظار أن يكتشف رواد العلوم جديدا ليبادروا بإلباس الفكرة أو النظرية لباسا “إسلاميا”..
ولسنا نبالغ بقولنا “مخاطر”.. فالقول بأن آية (وإنا لموسعون) تنطبق على “نظرية الانفجار الكبير”.. والافتخار بأن القرآن سبق بألف وأربعمائة عام هذا الاكتشاف.. خطأ بليغ.. فمقارنة مطلق خالد بفرضية محدثة قد يثير شكوك الناس حول صدقية المطلق إذا ما تبين لاحقا خطأ النظرية..
والخطر الثاني أن تكلف الأسلمة قد يجعل بعض المتسرعين يقوّلون رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما لم يقله.. فيهدمون من حيث أرادوا البناء..
في هذا الصدد فوجئت يوما حين قرأت حديثا قدسيا يستشهد به في تدريب حول التواصل..
أعني حديث دستور الصحبة وبرنامجها..
متن الحديث الصحيح : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يبلغه عن ربه عز وجل: “حقت محبتي للمتحابين في، وحقت محبتي للمتواصين في..” إلى آخر الحديث.. ١
عن حسن نية فرح المدرب بأن وجد كلمة التواصل في أثر ديني سيمكنه من “أسلمة” عرضه !!
لكن الخطأ الذي وقع فيه صاحبنا أن كلمة “المتواصلين” في الحديث لا علاقة مباشرة لها بكلمة “التواصل” (communication) موضوع تدريبه.. بل هي تعني -فيما تعنيه- التزاور.. كصلة الرحم.. ف”وصل” في العربية ضد “هجر” أو “قطع”.. أولا..
لكن لا تعني -بأي وجه- التواصل اللفظي أو غير اللفظي الذي يدرس ويدرب عليه..
جاء في لسان العرب: “وصل: وَصَلْت الشيء وَصْلاً وَصِلةً. والوَصْلُ ضِدُّ الهِجْران. ابن سيده: الوَصْل خلاف الفَصْل..”.
كان هذا تنبيها لسطحية كثير من “اللمسات” التي يراد لها أن تضفي طابعا إسلاميا على اكتشافات وصلتنا من خارج بيئتنا وديننا.. لم نأخذ الوقت الكافي.. ولم نبذل الجهد الكافي لسبر أغوار ما عندنا.. في وحي ربنا..
وأمثلة التكلف السطحي كهذا المثال كثيرة.. لكننا لن نورد أمثلة أخرى.. لأن واحدا يكفي لأخذ العبرة..والحيطة والحذر..
بعد يومين من كتابتي لهذا المقال، دخلت مسجدا لأداء صلاة الجمعة فإذا أول ما أسمع -وأنا أخلع نعلي- صوت المقرئ يتلو آية : (وَلَقَدْ وَصَّلْنَا لَهُمُ الْقَوْلَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) -القصص، آية51-..
ربما كانت آية توصيل القول هنا.. أقرب إلى أحد معانى التواصل.. الذي نحن بصدده..
أو ربما كان التواصل الذي في الحديث القدسي هو التواصل الذي يجب أن نصل إليه.. أو شكل منه..
والله أعلم..
والحمد لله رب العالمين..
١. رواه الإمام أحمد وابن حبان والحاكم والقضاعي عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه.
