قبل البدء في كتابة هذه الحلقات، قرأت لبعض المسلمين الذين حين يكتبون عن التواصل.. يبرزون جانب الرفق واللين -كما يرونه- في التواصل مهما كانت الظروف ومهما كان المخاطب..
يعللون سلميتهم المفرطة واجتناب كل احتكاك أو اختلاف صحي -ممكن بل واجب أحيانا- بآية (فَقُولَا لَهُۥ قَوْلًا لَّيِّنًا لَّعَلَّهُۥ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ).. فيختصرون التواصل في نمط واحد له ظروفه وملابساته وهذا ما عنيناه بالتطرف..
وليس كل تواصل الأنبياء وحوارييهم وصحابتهم ولا تواصل أولياء الله الكمل “لينا بالمعنى الظاهر”.. وإن غلب “الرفق الظاهر” عليه..
هناك ضرورات يكون الرفق فيها غير ظاهر مؤقتا.. بل قد يلبس لباس القسوة.. لينبعث منه الرفق الحقيقي.. الدائم..
ولقد كان في تقريع الإمام الجيلاني -رحمه الله- قسوة ظاهرة.. منبعها رفقه على خلق الله ورحمته بهم.. وإشفاقهم عليهم.. كمن يربت على كف رضيع يريد الإمساك بجمرة.. خوفا عليه وحبا له..
كان أسلوبه صالحا له ولوقته -موافقا لنورانيته ولمكانته ولمكانه وزمانه ولظروف المجتمع وقتها- كما يشهد على ذلك أعداد تلاميذه وأعداد من هدوا إلى الإسلام على يديه.. ولا يكون هذا الأسلوب صالحا لزمن آخر.. ولرجل غير الجيلاني.. ولأتباع غير أتباع الجيلاني..
وسنرى أمثلة على ذلك من العهد النبوي إلى ما بعد النبوة والخلافة الراشدة..
يريد بعض المدربين والمنظرين تجميل ما هو جميل أصلا بل ما هو الأجمل.. فيلطخون الجمال بأصباغ زائدة فيشوهون..
يذكرونني بقسيسي النصارى الذي يفرطون في الحديث عن السلم والمحبة محاولين إخفاء قرون العنف والتفشيش والحروب الصليبية والرواج الثلاثي والتنصير الدموي للأمريكيتين والحروب العالمية والاستعمار والنهب المستمر بمساحيق تجميل..
وهل يصلح العطار ما أفسد الدهر !
وليس هذا من وحي هوى في نفسي.. لكني انتظرت عقودا لأتحدث عن التواصل من منظور منهاجي (بل من منظورنا القاصر.. أستغفر الله).. حتى وقعت عيني -منذ أقل من شهر- على ما كتبه ولي لله في هذا الصدد.. أو قريبا منه.. (قرأت الاستشهاد في مسودة أخ حبيب* يؤلف كتابا عن معاني الذكر في القرآن الكريم. أتم الله مشروعه وباركه) فوافق ما جاء في المرجع فكرة كانت تدور في خلدي لطالما اجتنبت أن أوردها مخافة أن تفتن أو أن يساء استعمالها لأنها مرتبطة بمدى تربية من سيطبقها..
وسنعرض لها في حلقة قادمة.. ثم نعضدها في الحلقات التي تليها بأمثلة من السيرة النبوية الشريفة.. ومن سيرة الصحابة الكرام..
—————-
* حسن فياط مؤلف تيسير الخصال العشر
