هدف التربية المنهاجية صناعة رجل القرآن.. أي قرآن يمشي على الأرض..
فأولى -بالتالي- أن يكون خطاب هذا الرجل قرآنيا متموجا متلألئا بين الإنذار والبشارة، بين الترغيب والترهيب، بين الاستنهاض والزجر، بين التحريض العاطفي والتنوير العقلي.. بين اللين والقوة.. بين الجهر والإسرار.. بين التغاضي والجدال والحجاج.. وعدم الخوف من اللوم عند قول الحق..
فعلى عكس ما نظر إليه كثيرون من متتبعي علوم التسيير من المسلمين من كون الخطاب الإسلامي يدور غالبا حول شكل واحد نمطي -مثالي في نظرهم- محتجين بآية قرآنية واحدة ومتغافلين عن عدة آيات أخرى.. فإن الإمام المجدد عبد السلام ياسين رحمه الله -وبتوازن جميل لا يحسن تنزيله إلى الواقع إلا من وفقه الله ليجاهد يوميا لاكتساب مجموع أكبر من شعب الإيمان – قد فصل في أنواع الخطاب حسب الظروف وموازين القوى وشخصية المخاطب وخطابه…
قال في كتاب المنهاج النبوي تحت عنوان “جهاد الكلمة والحجة” :
“يقول الله تعالى: {مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ} (الأنعام، 38)
فالعي في الخطاب، والعجز عن إثبات الحق في العقول، وعن تبليغه للأسماع، ناتج عن قصورنا.
[…] إننا بحاجة لنُفهم العالم الإسلام، بحاجة إلى لغة، إلى خطاب..
[…] وكل يخاطب على قدر عقله، في الأثر: «خاطبوا الناس على قدر عقولهم أتريدون أن يكفر الله ورسوله؟»..
[…] ولأننا لا نحسن أن نخاطب بمعاني القرآن جيلنا وزماننا، يبقى القرآن آيات تتلى تعبدا، وتبقى السنة النبوية زينة ثقافية، وكنزا يليق به أن توصد عنه ميادين الواقع. وهذا ما يريده من مصلحتهم أن ينام المسلمون. أن يعودوا للرقاد. وهيهات!
[…] خطاب الله تعالى في القرآن، وتعليم الله إيانا كيف نحاج ونخاطب يتراوح بين الترغيب والزجر، بين اللين والقوة.
{يا يحيى خذ الكتاب بقوة} (الأعراف، 145)
{وَكَتَبْنَا لَهُ (موسى) فِي الأَلْوَاحِ مِن كُلِّ شَيْءٍ مَّوْعِظَةً وَتَفْصِيلاً لِّكُلِّ شَيْءٍ فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ} (مريم، 12).
يجب أن يكون خطابنا بالقرآن قويا.
فلانسكت عن بعض ما لا تسيغه عقول الجاهلية المريضة.
لا نخاف في الله لومة لائم أن نقول كلمة الحق.
نجهر ولا نهمس.
ولموسى قال الله تعالى ولأخيه: {اذْهَبَا إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولَا لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً} (طه، 44)
لكن ما العمل إذا كان فراعنتنا منافقين!؟
إن التعامل مع الكافر الصريح كفرعون واضح سبيله. ولين الكلمة من رجل أو رجلين أعزلين هو الدين.
لكن الفراعنة المنافقين بم يخاطبون؟
قال الله تعالى: {أُولَـئِكَ (أي المنافقون) الَّذِينَ يَعْلَمُ اللّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلاً بَلِيغاً} (النساء، 63)
[…] إن الخطاب القرآني الموجه إلى الفطرة البشرية هو الخطاب الشامل، هو لغة الجهاد. إن أسلوبه الجامع المانع الإلهي لهو وحده القادر على تبليغ دعوة الإسلام والإيمان والجهاد إلى أعماق القلوب. وهو وحده الكفيل أن يجعل لخطابنا الهيبة والنور والفاعلية التي تحول الكلام عملا، والفكر إنجازا والشريعة الإلهية قانونا يحكم في الأرض، يعلو ولا يعلى عليه.”
وأرجع لأقف عند ربطه -رحمه الله- نمطا من الخطاب بظرف محدد وبميزان قوى أمام طاغية مجيش مدجج بالسلاح.. قال -رحمه الله وجازاه عنا خير الجزاء وأوفره- :
“ولين الكلمة من رجل أو رجلين أعزلين هو الدين”..
كانت هذه قواعد كبرى لتموج الخطاب القرآني وتكيفه.. صوى.. أساس..
وبين درجات الإيمان ودركات النفاق.. أطياف وشخصيات يخاطبون حسب الظروف ونوع خطابهم ومواقفهم وأفعالهم وبحسب الأهداف المرجوة منهم..
وسنفصل في حلقات قادمة بإذن الله – مستأنسين بكتاب الله تعالى وسنة رسوله ﷺ راجين إلهامه وتوفيقه- في أنواع الخطاب المتنوعة: من لين وقوة و زجر ووعظ وإعراض وقول بليغ وسلام وسكوت وغيرها..
والله أعلم
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
