لا يخجلنا بحمد الله ونعمته انتماؤنا لبلد متخلف لعلمنا سبب الداء ووضوح رؤية ما نصبو إليه ولا تغرينا نظرتنا لدول راقية رائدة في العلوم والتقنيات لتمييزنا بين ما نحتاجه لمشروع البناء لأفق ريادة الأمة وما يستوجب علينا طرحه جانبا لتعارضه مع فطرة الإنسان وما سطره الشرع.
حين نتكلم عن الريادة فإلى الأصل نعود لبناء شخصية منتسبة الجذور إلى النبع النبوي مصدر الحكمة وضمان الفلاح. حين يصح الإتباع روحا لن يضل من رسخت قدمه في سلوكه إلى الله عندما يسعى لاكتساب أدوات وآليات لا يستغني عنها في تدبير مجالات عمله فردا وجماعة إلا من استهان بسنن الله في كونه.
إنه مزلق خطير أن تختلط أوراق الباحث عن تغيير ما بذاته حيث لن يجني إلا سرابا أو شبه أنوار مدسوسة بسم فاتك وحيث اعترف القائمون الجادون على إرساء قواعد “شرف المهنة وأخلاقياتها” بفشلهم الذريع.
سوف نوضح في حلقاتنا شيئا فشيئا محدودية ما حاولت أرقى مختبرات العالم الوصول إليه لٱكتشاف أغوار الذات وكيف يستحيل ضبط ملابساتها رغم جهد تلقين “أخلاقيات الأعمال Business Code of Conduct” بعد تشخيص دقيق كشف أن الفضائح المالية التي أدت إلى انهيار وأفول شمس مؤسسات عملاقة وراءها أسباب خفية تتجاوز وعي المستأمن على مليارات الدولارات المتحكم في السوق خلف جهازه المتطور ومكتبه المطل من أعلى ناطحات السحاب. تتجاوز وعيه إلى رغبات ومصالح شخصية لا تنصت لخطابات الوعظ ودروس الأخلاق وتستسلم أمام أولى المغريات التي تناديه للمسلك القصير نحو الإغتناء وبلوغ ما تشتهي النفس ويسيل اللعاب.
نختم مقدمتنا بما خلصت إليه دراسة HBR في عددها لشهر نونبر 2002
Why good accountants do bad audits ?
لماذا يفشل مراقبون أكفاء في أداء مهامهم ؟
إلى أن نغوص لاحقا فيما يوجهنا أثناء تعاملنا مع كم هائل من المواد تستوجب نضجا محصنا لكي نميز الخبيث من الطيب والنافع من الهادر للأوقات والأعمار :
“Psychological research shows that our desires powerfully influence the way we interpret information, even when we’re trying to be objective and impartial.”
“أبحاث نفسية أثبتت قوة تأثير الرغبات على تحليلنا للمعطيات رغم بدلنا جهد الموضوعية والنزاهة”
“Less tangibly, auditors must come to appreciate the profound impact of self-serving biases on judgment. Professional schools have begun to take ethics seriously in recent years, but teaching auditors about ethics will not have an impact on bias.”
“و مما قد يبدو أقل وضوحا، يتعين على المراقبين أن يعوا مدى الأثر العميق للمصلحة الذاتية في الإنحياز أثناء تقييم الشؤون والأحكام. جامعات محترفة شرعت في إدراج القيم والأخلاق ضمن مقرراتها باهتمام كبير إلا أن تدريس المراقب القيم والأخلاق لن يكون له تأثير يذكر على إنحيازه في أدائه مهامه.”
سوف نرى كيف أن علاج النفس لإنقاد ما ترتب عنها في مختلف المجالات وما يشهده العالم من فساد، مهمة لن يتصدى لها إلا من سلكوا مسلك تربية نبوية وتتخذ من الإيمان مشروع تغيير فعال.
