بسم الله الرحمن الرحيم
قد يخيل لقارئ قصة الهدهد في القرآن الكريم أن سيدنا سليمان -وهو خليفة في الارض- ملك قد يجنح إلى التخويف الديكتاتوري بوعيده في الملإ.. “لأعذبنه..” أو “لأذبحنه..”..
لكن خطاب الهدهد يكذب هذه الفرضية.. فهل يستطيع أحد أن يقول لديكتاتور “أحطت بما لم تحط به!”..
تخيل أنك أمام صدام أو جمال العبد الخاسر.. أو أي طاغية اتخد إلهه هواه وأناه.. وتقول له “أعرف ما لا يخطر ببالك”..
إنما استطاع الهدهد أن يقولها أمام ملك الناس والجن والنسور لأنه يعرف أنه يحبه.. وأن بينهما شراكة خاصة وتقاربا جميلا (complicité)..
وأن تسيير سيّدنا سليمان يترك هامشا كبيرا من إبداء الرأي.. بأريحية.. شورى هي..
وأن علاقته بصحابته ليست علاقة سيد بعبيده أو ملك برعيته.. وإنما هي بيعة بين جانبين متساويين..
ويعرف الهدهد أن الحاكم عادل.. وانها طريقة كلام.. أو تذكير للجميع لا تخويف.. كما كان سيدنا عمر يقول لمن يحبهم.. “ثكلتك أمك..”
ولا هو دعاء.. ولا هو تهديد بالقتل..
وأن سيدنا سليمان يثق في الهدهد وصدقه ويعرف أنه تأخر بعد أن استنفذ وسعه للحضور في الوقت وأن شيئا ما مهما أخره.. لكن ليحافظ على الانضباط وأهمية احترام الوقت أظهر للجميع -في هذه الحالة بالذات علنا- أنه لن يستثني من العقاب الجندي المحنك.. فشرط ذلك بعذر.. لأنه متأكد من أن العذر موجود.. وان الضابط في قواته الخاصة لن يخذله..
والله أعلم
من بركات الاستماع إلى القرآن في المسجد
جمعة مباركة..
