أفضل المشاريع تنفيذا وإنجازا ما لم تغفل عين صاحبها عن الهدف المنشود لحظة، خوف أن تحيد به التفاصيل اليومية الضرورية عن الوجهة. حضور تلك الوجهة وتمكنها من روح صاحب المشروع وشغفه تصوب كل ٱنحراف عن الطريق الموصل وتجنب ضياع الجهد فيما سواه.
بعد أن تتجاوز الموت عندك مرحلة الخوف والفزع لتقتحم الشعور بالطمأنينة للإلتحاق بالخالق المصور وتصبح دافعا للعمل الدؤوب، لن تتدفق قطرة واد من أودية مشاريعك المتشابكة إلا وصبت في نهرك الجارية مياهه نحو بحر حصيلتك الكبرى. الموت المخيف فيما مضى يتحول اليوم إلى محفز لكل حركة وجامع لشتات حياة بكل تفاصيلها ومجالاتها.
فحين تعطي باقي شعب الإيمان ثمارها تتوثق صلة الكد اليومي بتوفيق وإلهام السماء ليبلغ المسير سرعته القصوى.
تناغم وتفاعل لكل مكونات خطتك. بل، أستغفر الله، خطة مولاك لك مع وجوب خطتك وتخطيطك، يقتحم كل العقبات بخطى ثابتة.
خطة فردية تلتقي خطة جماعة مجاهدة ذاكرة ساعية لأن يلتقي هي الأخرى كدها اليومي بتوفيق وإلهام المولى كي تحقق نصر الإستخلاف فوق الأرض.
يتجاوز تدبير كل مشروع عند أهل الريادة أهل الله المجاهدين لإحياء أمة رسول الله صلى الله عليه وسلم سقف المدى القصير أو المتوسط كيف ما كان حجم المشروع. من النفس يتنفسه إلى شهادة يحصلها أو مكانة ٱجتماعية يحتلها، تصبح كل حركة وسكنة في خدمة المبتغى.
بعد أن رسم رسول الله صلى الله عليه وسلم للصحابة رضي الله عنهم مسار سلوكهم ليبلغوا المراتب العليا من إسلام لإيمان لإحسان فحدد بذلك الوجهة العظمى التي لا ينبغي أن تزيغ عنها الأعين، أرشدهم إلى كثرة ذكر الموت لما لذلك من بليغ الأثر على كل زيغ عن الطريق. تذكير يردع النفس الملتوية المنحرفة عن الصراط المستقيم. عَن عَبدِ اللهِ بن عُمَر رَضِيَ اللهُ عَنهُ أَنهُ قالَ: أتيتُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عاشرَ عشرةٍ، فقال رجلٌ من الأنصارِ: من أكيَسُ النَّاسِ وأكرمُ النَّاسِ يا رسولَ اللهِ؟ فقال: أكثرُهم ذِكرًا للموتِ وأشدُّهم استعدادًا له أولئك هم الأكياسُ ذهبوا بشرفِ الدُّنيا وكرامةِ الآخرةِ.
ويوضح الإمام المجدد دور الموت في حياة المؤمن المجاهد في ترتيبه لشعب الإيمان – شعبة ذكر الموت- توضيحا يتجاوز مهمة الوعظ الضرورية إلى معنى ومهمة الجهاد لتغيير حال الأمة :
“فالدنيا قنطرة ودار بلاء وامتحان، تتزين لتفتن الناس. فيستمد المؤمنون القدرة على مقاومتها من إيمانهم بأن بعد الموت سؤالا وبعثا، وحسابا وجزاء.
ففيما نربي ونكتب ونذكر، يجب أن يكون ذكر الموت هادم اللذات كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم جزءا لا يتجزأ من حديثنا، وهم الآخرة غالبا على هم دنيانا، حتى إذا أصبح الله عز وجل هو همنا وقبلة همتنا كان رضانا به وعكوفنا على بابه حاديا لنا على طريقنا إليه تبارك وتعالى، عبر مشقات الدنيا، وسكرات الموت، ومثوى القبر، وهول الحشر، ودقة الحساب، ومعبر الصراط، ودار المقامة.
الخلافة على منهاج النبوة تريد منا حضورا ثقيلا قويا على الأرض لنغالب الأعداء، وننتج، ونصنع، ونتسلح، ونخوض الأسواق العالمية، ونزاحم العالمين بالأكتاف.
فلكيلا تغلبنا جاذبية الأرض فنخلد إلى القيم المادية، وتذوب حياتنا فيها، نربي أجيالا مهاجرة إلى الله، عابرة إليه، الموت بين عينها، تطلبه استشهادا في سبيل الله.
موقفان من الموت عند المؤمن: موقف تخشع وتدبر واستعداد، وهذا عام مطلوب من كل المسلمين. وموقف إيجابي هو موقف المتحفز للجهاد، المشتاق إلى لقاء الله، المستميت في سبيله عز وجل جهادا.
ويجمع الموقفين كون العبد عابر سبيل شاء أم أبى. فلأن يكون من الشهداء المقتحمين على الموت جهادا خير من أن ينتظرها قعودا متوجسا”.
