الجزء 1 : مقدمات وملاحظات لا بدّ منها
تذكير 1 : عندما بدأنا التأليف حول الريادة وفنّ التسيير تحت مسمّى “فقه الريادة” كان المحرك لعملنا هذا -كما هو الحال في كل ما نفعله- هو أن نضع بين يدي رجال الدّعوة خبرة متخصصين في الميدان من قادة ومسيرين عبر العالم المتقدّم سياسيا وتقنيا.. مع ما نعتقد أنه إضافات وتصويبات من المنهاج النّبوي لهذه الحكمة البشرية الضرورية كما جاء في المنهاج النّبوي.. منهاج أكبر قادة العالم.. عليه الصلاة والسلام..
ملاحظة 2 : ما يزيد من مركزية هذه الحلقة أن أغلب القادة (%99,2) في المؤسسات التي واكبناها -كفريق- خلال 3 عقود -والتي تفوق المائة بكثير- لا يعرفون معنى المراقبة الداخلية !! مع أنها أساس في التسيير…
بل لقد ذهلنا غير ما مرة -بل دائما.. إلا مرة واحدة- أن مسيري أكبر المؤسسات لا يفرقون بين المراقبة الداخلية “internal control” وبين مفاهيم ومجالات أخرى.. لتقارب التسميات حتما.. مع أن التباعد بين المفاهيم كبير جدا.. بل إن العلاقة غالبا ما تكون شبه غائبة بين التعريفات المخلوطة.. ومنها :
– المرقابة الإدارية : “Management control” أو (contrôle de gestion) ولا كبير علاقة لهذا بما نحن بصدده وإن تشابهت التسميات واختلطت بعض الترجمات إلى العربية
– التدقيق الداخلي : “internal audit” وهو مراقبة مؤقتة للمراقبة الداخلية الدائمة
– التفتيش أو مراجعة الحسابات “inspection” أو “external auditing” : مع أن المراقبة الداخلية تضم “الاستراتيجية” و”أخلاقيات التسيير” و”الحكامة” وجرد وتقييم “المخاطر المحتملة مسبقا وطرق التعامل معها حال وقوعها” (Risk Assessment – Risk Response) ومختلف مناحي التسيير وما المالية إلا جزء واحد منها كباقي الأجزاء..
وأظن أن الخلط هنا مردّه أن كلمة “contrôle” بالفرنسية توحي أكثر إلى التفتيش والاستقصاء والمراقبة منه إلى السيطرة والتحكم كما في كلمة “control” الانجليزية..
ولكم وددنا أن نعنون المقالات ب”التحكم الدّاخلي” أو “السيطرة الداخلية” بمعنى “الضبط في الحكامة”.. لولا ان أمتنا حديثة عهد ب”تحكم” عاض.. و”سيطرة” جبرية مستمرة.. و”حكامة” صورية.. ل”حكومات” لا تحكم.. ولا تسود..
استنتاج 3 : نسنتج من هذه الإحصائيات أن عدم المعرفة بقواعد المراقبة الداخلية ينطبق حتما على أكثر الحكومات ووزاراتها.. والتنظيمات السياسية والجمعوية بمختلف توجهاتها… للأسف…
تنبيه هام جدا 4 : إن قواعد التسيير -بما فيها المراقبة الداخلية- لا تخص الشركات الربحية فقط : إنما هي مبادئ تنطبق على كل مؤسسة أو تجمع إنساني جمعية كانت أو عائلة أو جماعة دينية..
وقد حرصنا على إضافة هذا التنبيه الرابع لأننا سمعنا ما مرة من يقول أنه لا يمكن تسيير جمعية لا ربحية كما تسير الشركات ؟..
فكمحاولة لإماطة هذا الخلط -عند بعض الناس- نكتب..
ولقد واكبنا مؤسسات خيرية دولية المنشإ مشكلتها الرئيسية غياب الرقابة الداخلية.. وقارنا تدني أداءها بنجاح مؤسسات خيرية دينية تعمل بنفس مبادئ التسيير والمراقبة الداخلية التي تتبعها الشركات الربحية المنظمة..
ولا ندّعي الفهم الكامل ولا حتى الجزئي.. بل ندعو -من خلال تسليط الضوء فقط على هذا المفهوم المركزي الغائب للأسف- للبحث في هذا المجال المهمّ جدّا كما سنرى في الحلقات القادمة عندما نتطرّق لقواعده.. وأمثلة استعمالها.. وكيف اجتمعت مؤسسات خاصة في أوروبا وأمريكا ترغب في التحكم علميا وعمليا في تسييرها فأنفقت من مواردها ليتأتى لباحثين محايدين الخروج بإطار موحّد عملي شامل للرقابة الدّاخلية صارت بعض مخرجاته بمثابة قوانين ملزمة لكل المؤسسات في تلك البلاد المتقدمة..
فلنأخذ من هذه الحكمة ومن هذا الاستثمار الكبير والمفيد ما يفيدنا في إرساء قواعد التسيير بإحسان وإتقان في جماعاتنا المسلمة.. حتى نساهم في بناء الدّول الإسلامية.. المهيئة للإمة الأسلامية.. التي سيقيمها الله كما وعد..
والله الموفق..
والحمد لله رب العالمين
