دين واحددين واحد
  • الرئيسية
  • السلاسل
  • الأقسام
  • مقالات
  • من نحن
Font ResizerAa
Font ResizerAa
دين واحددين واحد
  • الرئيسية
  • السلاسل
  • الأقسام
  • مقالات
  • من نحن
Search
  • الرئيسية
  • السلاسل
  • الأقسام
  • مقالات
  • من نحن
Follow US
دين واحد > مقالات > ‎الموسم 2 الحلقة 9: أبعاد الانسان المنسية‎
مقالات

‎الموسم 2 الحلقة 9: أبعاد الانسان المنسية‎

مصطفى شقرون
آخر تحديث يونيو 29, 2025 12:13 م
مصطفى شقرون
11 Views
20 دقيقة للقراءة
شارك
20 دقيقة للقراءة
شارك
سلسلة فقه الريادة الموسم 2 (9 من 34)

“Man’s Forgotten Dimensions”

غالبا ما يلخص كتاب التسيير والقيادة والتنمية الذاتية الإنسان في ثلاث أو أربع أبعاد: “الجسم والروح والعقل والعواطف” (Body-Spirit-Mind-Heart). كما فعل “ستيفن كوفي” Stephen Covey مثلا في كتاب “العادات السبع” وكما فعل غيره ..

وغالبا ما تكون المفاهيم المستعملة من طرف المنظرين تقريبية أو مبهمة فضفاضة ومختلفة عما نفهمه نحن من هذه المسميات (مثلا: الروح والقلب والعقل).. ربما لاختلاف توجهاتهم العقدية أواللادينية.. أضف إلى ذلك قصور اللغات الأوروبية عن التعبير عن المفاهيم غير المادية..

ونحن نرى أن كل هذه التقسيمات غير كافية لفهم الإنسان ومحركاته وانتظاراته وحيرته وأحاسيسه وقواه الخفية وأعماق فطرته وبحثه -اللاشعوري- الحثيث عن عالم آخر غير مرئي.. أكبر وأقوى وأعدل وأجمل..

نفضل أن نقول البحث “الفطري” عوض اللاشعوري..

وقد قسمنا -في فقه الريادة- أبعاد الإنسان إلى اربعة عشرة -14- قسما: جسمه وروحه وفطرته (أي البرمجة الأصلية عند كل الناس) وكون الإنسان مخلوقا وقلبه “المفكر” الذي يفقه ويعقل وعقله الذي يخدم القلب وضرورة عيشه في جماعة وسؤاله عن الغاية من وجوده في الأرض والغيب والموت وما بعد الموت (وضمنها كراهية الموت والرغبة الفطرية في الخلود وفي اكتشاف عوالم أخرى) ثم حب ملاقاة من خلقه..

أغلب هذه الأبعاد فطرية الأصل، مشتركة بين كل البشر.. وهي لذلك تعتبر “محكا صعبا لصدق القائد” الذي عليه الاهتمام بكل أبعاد الانسان الذي يشكل فريقه..

نفصل قليلا في هذه الأبعاد كي نميز المتشابه منها عما ذكره بعض الباحثين:

1. الجسم: “Body”

نضيف هنا على حاجيات “ماسلو” Maslow الأساسية أن الجسم عنصر مهم في غاية اختبار الإنسان في الأرض.. فثقل الجسم ومحدوديته (سرعة وقوة وذكاء) إكراه أمام تطلعات الإنسان اللامحدودة وتفكيره وخياله اللامحدودين..

2. الروح: “Soul”

ويسمي البعض الروح (Spirit/Esprit) وهو ما يحيل –حسب اللغات الأوروبية المستعملة- إلى حالة أو إلى تفكر (Mind).. أو قد يسميها البعض روحا (Soul) بمعنى الخاصية التي تفرق الجثة عن الجسم الحي.. وقد تحدث عن الروح -بأسماء مختلفة- وين داير Wayne Dyer.. لكن مرجعيته النصرانية -بتحريفاتها- و”صحبته” الهندوسية -بكثرة ظنها وانقطاعها عن الوحي وهلامية غيبها وعدم وضوح فكرة إله واحد خالق باعث فيها- جعلت من الروح مكونا ثابثا -لكن مبهما لا محددا- يراها خاصية هي “في” الانسان (part of us).. لكن ليست “فيه” تماما (It is everywhere)٤.. والأهم أنه لا يوضح مصدرها ولا وجهتها..

لا يراها أمرا من الله ونفخة منه مباشرة.. وأنها راجعة إليه..

وبمثل ذلك التفسير المنقطع عن الله وغير المحدد وذي النفحة الهندوسية التي تعترف بتناسخ الارواح (reincarnation) تحدث Deepak Chopra و Ekharte Tolle و Gary Zugav الكاتب والمحاضر في الروحانيات.. وغيرهم كثير..

ونحن نقرأ من الوحي (وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ ۖ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُم مِّنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا).. (سورة الإسراء، الآية 85)

لا نبحث عن تعريف للروح بالكلام.. لأن معرفتها تتأتى بالعمل اليومي.. ليل نهار..

“معرفة” الروح.. بل “لمسها”.. تجربة شخصية عملية.. تحس وتذاق..

وكيف لغير العارفين بالله -الذي خلق الروح- أن يعرفوا جوهر الروح ؟

3. النفس: “(Man’s innermost Self (Ego’s Instinctual Impulses”

تعترض الانسان في طريق كماله الإنساني عقبات النفس والشيطان والدنيا والعقل والهوى. الشيطان كائن خارجي لذل لا يظهر بين أبعاد الإنسان الأربعة عشرة. وإن الخصم الأول بل الخصم الوحيد للإنسان والذي لا يتغير الإنسان إلا بتغيره هو النفس. ففي النفس تستوطن الأمراض الاجتماعية والأمراض الشخصية الباطنة.

فقد يتعامل الناس بالعقول والجسوم والتدافع بقهر القانون ونفوسهم مريضة في ذاتها متنافرة فيما بينها، ونتاج ذلك مجتمع الكراهية.

ويقف التسيير والإدارة والقيادة عاجزين أمام تلون النفس البشرية وضبطها.. كيف وأكثر الناس علما بالنفس البشرية هم من استطاعوا ترويضها.. الربانيون.. وأنى ل”علماء” التسيير والتنمية البشرية بهدا العلم الخاص جدا..

ففي النفس استكبار وعصبية وشهوة بضائعية ومسخ ثقافي.. عادات عميقة صعبة الاستئصال..

وإن التربية الربانية تضرب النفس الأمارة بالسوء وتغسلها وتسوطها حتى يزول ما علق بها من شرك وجبروت.. فبصحبة الربانيين أولياء الله تطبب للنفوس المريضة فتنهزم الخصوم النفسية فتتغير النفوس وتتغير الجماعات والمجتمعات والأمم (كما سنرى في حلقة ‘The Trigger & the Amplifier’).. بصحبة الأمة كلها للجماعات الربانية حول ربانيين خدام للمؤمنين عاملين أجراء قادة أمراء..

نسميهم هنا: “الرواد”.. ه

4. الهوى: Ego’s Arbitrariness

وهو ميل النفس إلى الشهوة والتكبر والظلم.. ونفهم منه تحييد مرجع الوحي والاعتماد على الذات (والعقل) للفهم وللتشريع.. غرور ينسي الإنسان أنه لم يصنع عقله الذي به يفتخر ويتكبر ويطغى.. ومن تجليات الهوى الفلسفات والنظريات التي تلغي -بدون دليل- وجود خالق للكون وعالم آخر قبل وبعد الموت..

5. الفطرة: “Innate Programming”

وهي البرمجة الأولية في الإنسان التي تمكنه من التفريق بين الخير والشر عامة.. وهي التي تجعله محبا للإيمان حتى لو حاول طمر هذا “اليقين” الداخلي لأسباب نفسية طارئة.. فإن (.. اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ..).. والفطرة هي التي تفسر الحياء الطبيعي عند الإنسان وإن زين الإعلام الرذيلة المنتشرة وسوّقها..

والفطرة هي المرجع في القيم الذي يفسر اتفاق الناس على حب خصال الصدق والبذل والعلم والعمل والعدل والشجاعة والفروسية والغيرة وجمال الهيئة والنظافة والطمأنينة والوسطية والتريث.. كما يشهد على ذلك احترامهم للصادقين والعاملين والعابدين والعلماء والحكماء والمناضلين ضد الظلم.. واحتقارهم -الفطري- للكسل والبخل والجبن والكذب والخيانة والجهل والجهالة والظلم والإسراف والخلاعة والقذارة..

6. الوعي بأن الإنسان مخلوق (ِCreatureship):

من المهم بالنسبة للقائد ولمن يقودهم أن يعرفوا “مكانهم” و”وضعهم” و”ورتبتهم” في هيكلة الوجود لتحديد “مهمتهم” ولمعرفة أن لهم “رئيسا أعلى” مسؤولا عنهم.. يدفع لهم أجرتهم (بأن أوجد لهم في الأرض ماء وزرعا وأنعاما منها يأكلون.. ما كان لهم أن يبتكروا هذه المخلوقات لسد حاجياتهم اليومية الحيوية..).. رئيسا ينتظر منهم تقديم تقارير عملهم في أي لحظة.. وأهم شيء يعلمه الإنسان -حين يعي أن هناك قوة أكبر منه أوجذته- أنه ليس “المقرر الأوحد” في الوجود أوأن ما حوله من موجودات ديكور فقط.. عليه أن يعي أنه هو كذلك “موجود ضمن الموجودات الأخرى” أي أنه “صنعة صانع” وهذا أمر فطري إذ يعرف الإنسان أن لكل شيء متقن صانع بما في ذلك هو..

وحتى إن طمر فطرته عنوة.. وهذا كذب على النفس.. لا يليق بقائد أبدا.. (حلقة 10 الكذب الحق)، فمن البديهي -على الأقل- أن الإنسان يعلم أنه لا يمكن أن يخلق نفسه أو أن يخلق إنسانا مثله – ويخلق فيه أحاسيس وإرادة حرة- من لا شيء..

وبرغم اغترار الإنسان ببعض التقدم التقني، فهو لا يستطيع أن يكون خالقا بارئا مصورا من لا شيء.. فكل إنجازاته عبارة عن “تحويل” لما وجده مخلوقا من مواد.. أو مجرد اقتباس مما حوله..

وإن من لا يخلق من غير شيء يعتبر “مخلوقا”..

فإن قال ب “الصدفة” فإنما أوجد خالقا صنما وسماه “صدفة”.. ذلك أن بحثة عن جواب “ما” لمسألة الخلق، يبين أن هناك ضرورة للسؤال.. وبالتالي ضرورة لخلق.. وبالتالي ضرورة لخالق..

أن يعي الإنسان أنه هو كذلك “موجود ضمن الموجودات الأخرى” لا يعني أنه لا تميز له عنها.. لكن إذا أراد أن يخرق لنفسه –بنفسه- “تميزا” مطلقا فلن يسعفه المنطق.. ذلك أن لكل موجود تميزه.. فكل المخلوقات ترى في نفسها وفي ذويها تميزا.. فهي أمم أمثالنا..

وإنما تميز الإنسان ب”قرار” خارجي.. خارج عن إرادته.. بقرار من صوّره.. ووعيه بهذا البعد يعطي أهمية لقراراته.. التي سيأخذها بالوكالة.. أي باسم موجده.. أي.. (باسم الله الرحمن الرحيم)…

7.القلب “المفكر” (يفقه ويعقل): “Reasonning Heart”

لا نستعمل كلمة قلب للإحالة إلى العواطف والأحاسيس (Emotions) لأننا نعرف القلب -لا العضلة- كحاسة باطنة عاقلة ملهمة مفكرة كذلك.. تفقه وتعقل.. حاسة تتلقى من الكون ومما وراء الكون ما لا تستطيعه باقي الحواس تلقيه وفهمه (كالغيب والوحي والظواهر الغريبة)..

8. العقل المدبر:

Managing Mind (Serving The Reasonning Heart)

وهو عندنا مخالف للمخ العضلة التي في الجمجمة.. فمادة «عقل» ذكرت في القرآن الكريم “خمسين مرة ما منها لفظة واحدة تدل على الآلة المشتركة بين البشر.. العقل في القرآن فعل حاسة باطنة في الإنسان تسمى القلب.. والعقل تلق لحقائق الوحي بواسطة القلب. وكمال العقل الآلة ان يخدم القلب وتطلعاته هنا –في الأرض- بتحصيل علوم الكون وهناك وراء سجف الغيب من حيث لا تتأتى له معرفة إلا باستماعه للوحي”.. ٣

9. الغاية (في الأرض):

Our Mission On Earth (The Quest of Meaning)

لا يمكن لإنسان عاقل أن يعيش دون معنى.. لأن التفكير بأن الموت هي نهاية المطاف يجعل من الحياة عبثا.. ثم إن هذا يناقض فطرتنا المتمثلة في حبنا للبقاء ويناقض حبنا للفرح وللجمال وللاستمتاع بالحياة وللنجاح وتحقيق “أهداف” والاحتفال بها.. في سنة 2012 أخرج مارتن سيليغمان Martin Seligman خلاصات نظريته للرفاه (Well-being theory) وضمنها خمسة عناصر وهي “العاطفة الإيجابية والالتزلم والمعنى والعلاقات الإيجابية والإنجاز” اختزل أحرفها الأولى في كلمة PERMA أو (Positive Emotion, Engagement, Meaning, Positive Relationships, Accomplishment).. وما يهمنا الآن في هذا التقسيم الذي يخص سعادة الإنسان ورفاهيته هو البحث عن “المعنى”.. وقد عرّف كاتب “Flourish” الحياة التي لها معنى بأنها “انتماء وخدمة أمر (مشروع) يراه الإنسان أكبر بكثير من حجمه”..٢

وفي أبعادنا نجد سؤال الغاية –أوالمعنى- من الوجود على الأرض.. لكنه أكبر من “معنى” عالم النفس الأمريكي الذي اختزله في مؤسسات تعين على إشباع رغبة المعنى كالانتماء إلى مؤسسة دينية أو إلى حزب سياسي أو إلى الخضر (جمعيات المحافظة على البيئة) أو إلى الكشفية أو إلى العائلة..٢

ليس الدين عنده إلاّ “روليجيون”.. فضاء جانبي فضفاض للروحانيات والتأمل والعمل الخيري.. وعندنا الدين مركز حياة ورسالة تنبئ عن الغيب والغاية والمصير ومنهاج عمل يومي من الاثنين إلى الأحد.. في كل مناحي الحياة لا يوم الأحد فقط..

الغاية عندنا غايتان:

– غاية الاستخلاف في الأرض للحكم بما أمر الله ولعمارتها

– وغاية الإحسان أي التقرب من الله ما أمكن..

10. ضرورة الجماعة : “Instinct Of Community”

الحاجة الفطرية إلى العيش مع الناس.. وقد سمي الإنسان لذلك “كائنا اجتماعيا”.. وهنا ندرج ميله للانتماء إلى مجموعات أكثر تخصصا.. بعد فطري قد تفسره حاجة الإنسان للتعاون مع أكبر عدد من أبناء جنسه لإنجاز مهمته على الأرض.. تعاون وتعارف ضروري لأن التكامل يستوجبه: يكتشف كل إنسان أن لديه مواهب وميولات وملكات مختلفة عمن حوله لا يد له فيها.. وكلما كبرت الجماعة وتعاونت كلما كثر عدد الملكات فتكاملت فكان الأداء أفضل.. وكان تحقيق الغاية أقرب..

11. الغيب (التوقان إلى عوالم أخرى)

“The Unseen (Natural Quest For Other Worlds)”:

هذا العالم الغيبي.. تشتاق له روح أي إنسان على الأرض.. لكن أكثر الناس لا يجدون إليه سبيلا ولا جوابا شافيا فيروون عطشهم الطبيعي هذا بأفلام الخيال العلمي أو بقصص السحر أو بنشوة الفنون ومبهمات العلوم أوبلذات الشهوات الجسدية أو بأسفار لاكتشاف “عوالم جديدة” أو للهروب من أرض شقاء إلى أرض أجمل لا كدح فيها.. أو بتجارب خطرة تتيح “أحاسيس قوية جديدة” أو بالجري وراء سراب “ذكاء” صناعي تنفق من أجله الملايين حتى يستطيع روبوت محاكاة تفكير طفل في الثالثة من عمره في مجال واحد فقط.. أو محاكاة حركات معصم أو رجل أو لعبة شطرنج.. (وقد كان أولى –بل أذكى وأجدى وأرخص- استعمال إبداع ملايين الأطفال التي تموت أدمغتهم الرائعة من جوع أمعائهم).. وقد يجد آخرون ضالّتهم في الأحوال الناتجة عن الخمر والمخدرات ورياضات اليوكيين وسحر الشامانات وما يتيحه عالم الجن من غرائب..

12. الموت: “Death”

هو البعد الأكثر وضوحا في كل هذه الأبعاد وهو أمر مستقبلي حتمي مجرب ومشاهد ولا استثناء فيه.. يتناسى أكثر الناس الموت لأنهم فطروا على الخلود.. وإن لم يجربوه.. ولا يتحدث أكثر “القادة عن الموت” وهو البعد الأكثر يقينا في أبعاد الإنسان… بل إن من صفات القائد الرؤية المستقبلية.. وأي مستقبل أكثر احتمالا من الموت؟

إن القائد -الرائد- يجب عليه أن يملأ فراغات من يتبعه فيما يخص أسئلة يطرحها كل الناس ولا يجيب عنها العلم كحتمية الموت وبعثرة الجسد في القبور وخاصة هذا السؤال الذي يركنه أغلب القادة تحت ركن “ما وراء الطبيعة”.. مع أنه أكثر الأشياء الطبيعية ملاحظة ومعاودة.. والذي يتجنبه الجميع -كما كانت تتجنب الوفيات في الجرائد- حتى لا يفسد “تحفيز” الفريق و”انطلاقه” و”حيويته”..

والسؤال منطقي: “هل هناك معنى للحياة والفرح والشقاء والإنجاز وحب الفريق إذا كانت الموت هي النهاية لكل شيء ولم يكن هناك شيء بعدها”..

لسان حالهم يصيح “ما لنا والموت؟؟ نحن نحب الانطلاق والحيوية!! نحب الحياة..”..

وتخيلوا وكأنكم تسألون عن الموت Tony Robbins في مسرح يضم الآلاف من الجماهير قد دفع كل منهم 5000 دولار ليتحمس.. بعد أن شحن حماسه هو بحمام بارد وبمنشطات يتجرعها قبيل دخوله منصة “الشو” (show) وبعصي يضربها ببعضها بعنف وبتصفيق هستيري وقفز وبقص تجربة “نجاح” شخصي محدود جدا وكلام بذيء جدا.. ومشي على الجمر وهرطقات أخرى..

ويغذي هذا الحماس العابر هتاف الجماهير في منظر يقر ما يسميه علماء النفس “تأثير الجماهير” (Crowd Effect)..

الموت؟.. يا هذا.. أفسدت علينا سهرتنا.. وتجارتنا..

وحتى إذا ما ذكر الرجل الموت -بسرعة- فإنما يذكره كأجل (deadline) لتسريع مشاريع أرضية وتصفية علاقات أرضية -فقط- لا للعبرة وللمعنى من الوجود ولا للاستكثار من الخير للآخرة ولتبليغ الرسالة السماوية -الأمانة أصل الخلق- وليس كقنطرة إلى العالم الحق.. وليس كعلة لاختبار الناس في قراراتهم كما أخبر الوحي: (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ) (سورة الملك، الآيتان 1 و 2)

ويذكر Covey الموت كذلك.. لكن فقط أوله.. يوم الدفن.. حيث يتحدث الناس عن “الفقيد”.. فيستنتج من هذا الكلام تلخيصا لقيمة الرجل عندما كان حيا.. لكن لا حديث بعد إلقاء الدفين في الحفرة..

يمر الحماس العابر في “ليالي” التنمية الذاتية الصاخبة منها والهادئة ويستفيق الناس يوم الإثنين ولم يتغير شيء في شخصيتهم.. ولا في حياتهم ولا في المواصلات ولا في اكتظاظ الشوارع.. ولا في المكتب.. ولا في المدير.. هذا إذا ما استثنينا تغييرا إلى أسوأ في حسابهم البنكي..

وكيف تغير سهرة حياة إنسان؟؟

وتمر الأيام ويقترب للناس موتهم وهم في غفلة عن هذا الموعد الحق.. يعملون.. يتكاثرون.. يأملون.. يلعبون..

13. ما بعد الموت:

After Death (Aspiration To Eternity)

الإنسان كائن خلق ليصبح خالدا.. الخلود بعد فطري في الإنسان تنسيه نومة الموت المؤقتة.. حب الدوام والبحث عن الخلود فطرة فينا لأننا خلقنا لنصبح خالدين.. وإلا فلِمَ يتسابق علماء البيولوجيا لتمديد عمر الإنسان إلى أقصى مدى؟ ولا يتحدث أكثر “القادة عما بعد الموت” وهو بعد فطري في الإنسان.. بعد ضروري.. ذلك أنه لا يستسيغ أي إنسان أن يندثر وعيه وإحساسه بالكون من حوله بعد اندثار جسده في القبر..

14. ملاقاة خالقه:

Meeting His Creator (Last Curiosity, Ultimate Unprecedented

تخيل أنك صنعت “روبوتا” وبثثت فيه خاصية الأحساس.. فبدأ يتحرك ويفكر ويتخذ قرارات لوحده.. كيف سيكون شعورك؟ فرح عارم بالإنجاز الخلاق بالطبع.. شعور معروف.. لكن تخيل كيف يكون شعوره عندما يراك لأول مرة.. يرى وتخبره أنك أنت من صنعته… شعور غير معروف لأنه غير مسبوق على الأرض…

كيف يكون شعورنا حين نرى من صنعنا؟ لا جواب إلا من الوحي..

إن أسمى غاية للإنسان ليست الخلود فقط وإنما مجاورة من خلقه.. فمنه استمد الحياة والنور.. والروح والوعي والخلود..

إن أكثر هذه الأبعاد التي رأينا يتم تجاهلها أو نسيانها أو عدم إيفائها حقها من طرف أكثر “القادة” وأبرزها الروح والفطرة والغاية والغيب والموت وما بعد الموت (وضمنها كراهية الموت والرغبة الفطرية في الخلود)..١

وإن من صفات “القائد” الرؤية المستقبلية والصدق.. فكيف لا يجعل نصب عينيه ونصب أعينهم مستقبلهم.. ومستقبلهم جميعا أنه ميت وأنه ميتون..

إن عدم إدراج “القائد” لهذه الأبعاد وتجنب الحديث عنها بشكل واضح وبدون خجل عند تحديد الرؤية المستقبلية ومدى توافق أهداف المهمة العابرة لأعضاء فريقه العابرين مع غاية وجودهم ومع مصيرهم في حياتهم الخالدة.. أو عند حل مشاكل أعضاء فريقه أو عند تحفيزهم أو توجيه تطلعاتهم ومستقبلهم يعتبر “كذبا”..

“كذب”.. لسبب بسيط هو أن القائد له نفس الفطرة وبالتالي نفس الأسئلة ونفس المخاوف والرغبات..

إن تفادي “القائد” إحدى هذه الأبعاد فقد كذب.. كذب على نفسه -أولا- ثم على فريقه.. ويكون قد قادهم إلى غاية غير ذات معنى (غياب الرؤية بعيدة المدى) أو استغلهم لمصلحته أو لمصلحة مساهمين عابرين..

ثمن قليل..

وإذا ما كذب “القائد” فإنه لا يستحق أن يسمى “رائدا”..

لأن “الرائد لا يكذب أهله”..

__________

١ الموت كعدد من الظواهر مراد من وجه (لقاء الله) ومكروه من أوجه (ألم الفراق والخوف من جدة التجربة) وإنما أخذنا العبارة من حديث قدسي جميل جدا وصحيح عن أبي هريرة عن النبي ﷺ رواه البخاري في صحيحه. يقول رب العزة ﷻ : “من آذى لي وليا فقد آذنته بالحرب” .. إلى قوله سبحانه عز وجل: “وما ترددت عن شيء أنا فاعله ترددي عن قبض نفس عبدي المؤمن؛ يكره الموت وأكره مساءته..”.

٢ مارتن سيليغمان Martin Seligman كتاب “Flourish” والنص الأصلي

“The Meaningful Life consists in belonging to and serving something that you believe is bigger than the self..

and humanity creates all the positive institutions to allow this: religion, political party, being green, the Boy Scouts, or the family”

٣ من كتاب “محنة العقل المسلم” للإمام المجدد عبد السلام ياسين، بتصرف بسيط.

٤ النص الكامل: The soul is the birthless, deathless, changeless part of us. The part of us that looks out from behind our eyes and has no form. The soul is infinite so there is no in or out of it. It is everywhere. There’s no place that it is not)..

٥. من كتاب “الإسلام غدا” للإمام المجدد عبد السلام ياسين، بتصرف – ص 633-634

المقالة السابقة ‎الموسم 2 الحلقة 8: الرائد لا يكذب أهله‎ المقالة التالية ‎الموسم 2 الحلقة 10: الكذب الحقّ‎

اشترك في النشرة اليومية

ابقَ على اطلاع! تصلك آخر الأخبار العاجلة مباشرة إلى بريدك الإلكتروني.

من خلال التسجيل، فإنك توافق على شروط الاستخدام وتقر بممارسات البيانات في سياسة الخصوصية الخاصة بنا. يمكنك إلغاء الاشتراك في أي وقت.
شارك هذا المقال
Facebook Copy Link Print
بقلممصطفى شقرون
ماجستير في إدارة الأعمال من المعهد العالي للتجارة وإدارة المقاولات بالمغرب، وإجازة في أصول الدين بجامعة عبد المالك السعدي بتطوان. من مواليد 1969 بالمحمّدية.

في هذه السلسلة

  • 1 ‎الموسم 2 الحلقة 1: زيال الببغائية وتكلف الأسلمة‎
  • 2 ‎الموسم 2 الحلقة 2: التربية بداية الطريق‎
  • 3 ‎الموسم 2 الحلقة 3: القيادة بالرحمة والحكمة‎
  • 4 ‎الموسم 2 الحلقة 4: خلق الإنسان للريادة‎
  • 5 ‎الموسم 2 الحلقة 5: إحصائيات حول القيادة المثلى‎
  • 6 ‎الموسم 2 الحلقة 6: التحقق من الإحصائيات حول القيادة‎
  • 7 ‎الموسم 2 الحلقة 7: الميزان المختل أو أزمة نموذج‎
  • 8 ‎الموسم 2 الحلقة 8: الرائد لا يكذب أهله‎
  • 9 ‎الموسم 2 الحلقة 9: أبعاد الانسان المنسية‎
  • 10 ‎الموسم 2 الحلقة 10: الكذب الحقّ‎
  • 11 ‎الموسم 2 الحلقة 11: الأهداف المنجمعة‎
  • 12 ‎الموسم 2 الحلقة 12: 0.5% = عدد الرواد‎
  • 13 ‎الموسم 2 الحلقة 12 : العائق الخفيُّ‎
  • 14 ‎الموسم 2 الحلقة 13: القائد التابع‎
  • 15 ‎الموسم 2 الحلقة 14 - الجزء 1: أهل التخصص في التسيير والريادة‎
  • 16 ‎الموسم 2 الحلقة 14 - الجزء 2: أهل التخصص في التسيير والريادة‎
  • 17 ‎الموسم 2 الحلقة 15: التسيير والريادة: قصة حب‎
  • 18 ‎الموسم 2 الحلقة 15: التواصل (الجزء ١)‎
  • 19 ‎الموسم 2 الحلقة 16: التواصل (الجزء 2)‎
  • 20 ‎الموسم 2 الحلقة 17: التواصل (الجزء 3)‎
  • 21 ‎الموسم 2 الحلقة 18: التواصل (الجزء 4)‎
  • 22 ‎الموسم 2 الحلقة 19: التواصل (الجزء 5)‎
  • 23 ‎الموسم 2 الحلقة 20: عوارض التنزيل‎
  • 24 فقه الريادة (الموسم 2 - الحلقة 21) :
  • 25 ‎الموسم 2 الحلقة 22: النخبة الأخرى‎
  • 26 ‎الموسم 2 الحلقة 23: أحطت بما لم تحط به‎
  • 27 ‎الموسم 2 الحلقة 24: الموت منارتك الإستراتيجية‎
  • 28 ‎الموسم 2 الحلقة 25: حق الخطأ.. بل أجر الخطأ‎
  • 29 ‎الموسم 2 الحلقة 26: مصدر الهِمّة وتجدِيدها‎
  • 30 ‎الموسم 2 الحلقة 27: المراقبة الداخلية أساس التسيير‎
  • 31 ‎الموسم 2 الحلقة 28: القيادة حب لا خوف وطمع‎
  • 32 ‎الموسم 2 الحلقة 29: القيادة والإدارة‎
  • 33 ‎الموسم 2 الحلقة 30: مفهوم السعادة عند الرواد‎
  • 34 ‎الحلقة 33 : التدرج والأهداف المثبطة‎
Welcome Back!

Sign in to your account

Username or Email Address
Password

Lost your password?