إن الله كتب الإحسان على كل شيء.. والإتقان معنى من معاني الاحسان..
وإن التؤدة من شعب الإيمان.
لكن التؤدة والاتقان لا يعنيان بالضرورة التحرك ببطء..
وإلا فكيف نفهم ٱيات وأحاديث المسارعة والمسابقة..
لا تنسينا “العجلة من الشيطان” أن هناك كذلك “عجلة محمودة” في عمل الخير.. قال تعالى : { وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } آل عمران- 133، وقال تعالى : { إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللَّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولَئِكَ يَتُوبُ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا } النساء – 17
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (التُّؤدة في كلِّ شيء خيرٌ إلَّا في عمل الآخرة)..
وكل أعمالنا.. ننويها ونرجوها للآخرة..
إن اتخاذ القرار وتنزيله يستوجب تفكيرا وتخطيطا مسبقا وتشاورا لكنه يستوجب غالبا سرعة في القرار والتنفيذ..
وللسرعة في القرار والعمل ضوابطها.. وهي لا تلغي المراقبة والتقيم والتصويب… (انظر الرسم “Agility Development”)
وإن نشدان الاحسان في كل عمل وفي كل قرار من الوهلة الأولى قد يكون مناقضا للإحسان…
فرُبّ قرار خاطئ يستوجب قرارا سريعا يصححه، خير من عدم اتخاذ القرار.. أو التأخر في اتخاذه.. بدعوى التدارس والتشاور المبالغ في مدتهما..
والسرعة في اتخاذ القرار والسرعة في التنزيل يستوجبان كما رأينا من قبل شجاعة (وهي من شعب الإيمان – خصلة الصدق) وقبولا لحق الخطإ، وفتحا للمبادرات.. أي تطوير وتصحيح مستمرين.. نماء..
وهنا اسوق مثل النازيين خلال الحرب العالمية.. فقد قرروا صنع طائرات خشبية لتمويه العدو.. بعد ان فقدوا جزءا كبيرا من اسطولهم..
ولأن الألمان يحبون “الاتقان” فقد أمضوا وقتا طويلا لكي يصنعوا طائرات مشابهة بشكل كبير (maximum) للطائرات الحقيقية..
تأخروا لدرجة أن العدو دمر الطائرات فوق رؤوسهم..
ما ضرهم لو أنهم صنعوا طائرات تعطي ملامح الطائرة الحقيقية فقط (optimum) خصوصا وأن العدو سيراها من 500 متر أو أكثر وبسرعة تفوق 500 كلم في الساعة.. لن يميز التفاصيل أبدا في هذه الظروف..
معيار الاتقان هنا -في هذا المثال- لم يكن بتاتا الدقة في التفاصيل بل العدد والسرعة في الانجاز..
وهكذا قتل “الإتقان” الألمان.. في هذه الواقعة..
إتقان في غير محله..
مثل ثان هو المعلومة في المحاسبة مثلا.. قد تكون معلومة تقريبية (صحيحة بنسبة %85 مثلا) حول حجم المبيعات أو المردودية في الوقت المناسب أحسن من معلومة مظبوطة %100 بعد فوات اوان اتخاذ القرار…
وهكذا.. لكل مقام مقال..
كتبت هذا المقال لأن أحد المديرين قال لي يوما بعد ان استغرق انجاز النسخة الاولى من برنامج الكتروني دعائي سنة كاملة أو اكثر وكان بالامكان انجازه في اسبوعين.. ثم طويره في نسخ لاحقة .. كما يفعل الكبار في الميدان (ويندووز 2010, 2013… إلخ..)..
قال لي محاولا تعليل كل هذا الوقت الضائع: إن الاتقان في التفاصيل !!
لم أدر من أين جاء بهذا التعريف وكيف عمّمه..
المهم أنه نسي أنه أضاع سنه أو أكثر من الانتاج.. ومن جني المحاصيل…
ولم يكن يدري.. قبل نصحي له.. أنه مع حرصه على الكمال من الوهلة الأولى.. فإن النسخة الأولى المتأخرة جدا لن تكون كاملة… كأي عمل إنساني…