تنقية المفاهيم مما علق بها من محاولات لإضفاء الشرعية على تحريفات استهدفت شرائع “الدين=الإسلام” الأصلي الباقي مهمة لإعادة قيام الإسلام في نقائه ومحجته البيضاء.. ومهمة لدرء نوازع التطبيع و”الإمعية الفكرية” بدعوى التقارب والتسامح..
والتقارب والتسامح مطلوبان بل فرضان..
بل المطلوب أكثر من ذلك وهو التعارف والبرّ والعدل (القسط).. فهي فروض في التعامل حتى مع المشركين ما داموا مسالمين…
{لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الممتحنة ![]()
لكن التقارب والتسامح لا يلغيان أن يكون الحوار ومعرفة الآخر مبنيا على أسس علمية دقيقة..
1- “بنو إسرائيل”ليسوا “اليهود” :
خاطب رب العزة جل جلاله “بني إسرائيل” في القرٱن الكريم.. وهم بنو سيدنا “يعقوب” الملقب ب”إسرائيل”.. خطاب موضوعي لقوم.. من “بعض ذرياتهم” جماعة موجودة بالمدينة المنورة تحت إسم “يهود”.. وهي مجموعة بشرية متميزة بطقوسها وعاداتها عن باقي القبائل العربية المحيطة وإن كانوا يتكلمون العربية.. سماهم أحبارهم يهودا.. نسبة إلى “يهوذا” وهو ليس نبيا..
نسبة قبلية.. هي دون النسبة العلوية إلى رسول الله “يعقوب” عليه السلام..
فالأصل أنهم من بني اسرائيل..
لكنهم “هادوا”..
أي تهوٌدوا..
أي اختاروا يكونوا “يهودا”..
لا مسلمين لله كما كان سيدهم يعقوب عليه السلام..
اختيار من بشر.. وليس أمرا من الله..
نقرأ في القرآن الكريم {يا بني إسرائيل، اذكروا..}..
ويقرؤها اليهود.. وسمعها يهود المدينة..
الله -تعالى- يخاطب فيهم ويذكرهم بالنبوة لا بالقومية.. بالجانب الاسمى في النسبة المراد لهم.. لا في نسبة دم فقط..
يذكرهم الله -سبحانه- بنبيه يعقوب لا بمن دونه.. لعلهم يرجعون..
فمنهم من سمع.. فرجع وأسلم كما أسلم سيدنا يعقوب من قبل..
وهم قلة..
وأكثرهم أصروا على “يهودية” مخترعة.. لكنهم وجدوا ٱباءهم لها عاكفين.. وما أنزلت في الكتب السماوية.. بل إنها ليست حتى في التوراة المحرفة..
و”بنو اسرائيل” اثنا عشر سبطا.. واحد منهم فقط اسمه “يهوذا”..
ولا زال هناك أقوام يدعون انتسابهم لباقي إخوة “يهوذا” -برغم محاولة “اليهود” إعدام أثر الأسباط الٱخرين تاريخيا- ومنهم “السامريون”..
السامريون “بنو إسرائيل” إذ ينتسبون إلى سيدنا يوسف حسب قولهم.. وليس صدق النسب هو الحجة.. بل المبدأ.. أي انتساب قوم من “بني اسرائيل” إلى غير “يهوذا”..
يرفض “السامريون” أن يسموا “يهودا” رفضا كليا.. ويعتبرون أنهم “بنو اسرائيل الحقيقيون”
“اليهود” إذا جزء من كل.. لا كل..
جزء من اثني عشر…
2- “أهل الكتاب” ليسوا “اليهود والنصارى” :
للسامريين -وهم من بني اسرائيل كما رأينا- توراة تختلف في العديد من فقراتها بل وغالب كتبها عن النسخة التي يعتمدها “اليهود”.. ويعتبرون أن نسختهم (وهي 5 أسفار فقط) أوثق من نسخة “اليهود” (39 سفرا !).. وكلتا النسختين محرفتان.. لما فيهما من تناقضات بينهما وفي كل منهما.. ولعل أكبرها -وهذا ليس موضوعنا الٱن- ذكر دفن ومكان قبر سيدنا موسى عليه السلام مع أن المفروض أنه هو من تلاها..
وبرغم وجود بعض التفاسير التي تقرن أهل الكتاب باليهود والنصارى لبداهة زيال الطائفة اليهودية.. فهذا الجمع والتعميم يفتقد للدقة..
ولنتذكر قوله تعالى حتى لا نخلط بين الدين والنسب العائلي القبلي:
{أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَٰهَكَ وَإِلَٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَٰهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة – 133)
(يتبع)
_______________________
الصورة لسامريين -من بني إسرائيل وغير يهود- على جبل جرزيم ضاحية نابلس بفلسطين يحمل واحد منهم نسخة مما وصلهم من التوراة..
