قبل أن أبدأ في كتابة هذه السلسلة سألت الناس من حولي.. أقارب وعاملين في حقل الدعوة عما توحي كلمة الإيمان في مخيلتهم.. فدارت الإجابات نحو محور واحد : الاعتقاد والتصديق..
التصديق شرط أولي في الإيمان.. لا ريب.. لكنه ليس كل الإيمان…
إن الإيمان ليس شعورا فقط ولا حالا فقط ولا عاطفة فقط.. بل هو “عمل” بكل ما تحمله الكلمة من معاني الكد الجسدي والفكري والقلبي.. ومن هذا المنطلق جاءت فكرة هذه السلسلة..
سئل رسول الله ﷺ عن أحب “الأعمال” إلى الله فقال: “أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله ، ثم صلة الرحم ، ثم الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر”..
“أحب الأعمال إلى الله إيمان بالله..”
هل كان هذا مجازا ؟.. لا أظن ذلك.. خصوصا ممن جمع الله له الكلم.. صلى الله عليه وسلم..
إن ما يؤيد تعريف الإيمان بالعمل أو بالأعمال، حديث شعب الإيمان البضع والسبعين..
فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله ﷺ قال: “الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان” [متفق عليه].
إماطة الأذى.. “عمل” باليد في تفسيره الأول..
وشعب الإيمان فيها “الصدق” وهو شعور لكن فيها “البذل” (وهو دليل الصدق) وهو “عمل” لجلب المال ثم “عمل” لتوزيعه.. فإن كان بذلا للوقت فهو “عمل” جسدي كذلك..
وفي شعب الإيمان “أعمال”.. منها مثلا :
– التكسب والاحتراف (شعبة عملية جسدية تحت خصلة “العمل”)
– عمارة المسجد (مشي إليه وصلاة ومجاهدة للنوم وقيام)
– القيام في حدود الله (مشاركة بالحضور الجسدي أولا.. مشاركة فعلية عملية فاعلة)
– الحج والعمرة (تكسب لجمع مصاريف الرحلة.. وجهد جسدي للسفر ولأداء المناسك..)
– إكرام المؤمنين والجار والضيف.. (عمل “فعلي” برغماتي عملي حضوري ظاهر.. شعبة تندرج تحت خصلة “الصحبة والجماعة” التي يحاول البعض “فلسفتها” بالتركيز على جانبها الشعوري “المجرد” فقط.. لا على ما تستلزمه من أعمال على أرض الواقع..)
– قوامة الرجل وحافظية المرأة… وقد قرنت القوامة (..بِمَا أَنفَقُوا مِنْ أَمْوَالِهِمْ ۚ ).. إنفاق يستوجب عملا ينفق من عائداته..
– النوافل وهي في غالبها أعمال جسدية
– الهجرة والنصرة.. وهي تحت خصلة “الصدق”.. “عمل” يدل على صدق التصديق والاعتقاد..
– الذكر وأثره.. ولا يستصغر “عمل” الذكر إلا من لا يذكر كثيرا ومن لا يستيقظ ولا يتجافى عن المضاجع ليستغفر بالاسحار.. قياما وقعودا وعلى جنوبهم… “عمل” وأي عمل..
– تعلم القرآن وتعليمه.. عمل وتنظيم وبرمجة..
– الإمارة والخلافة.. “عمل” يومي مضن متعب..
– الدعوة إلى الله.. وهو عمل يومي وتحرك دؤوب…
– أبواب الجهاد.. وكلها أعمال مكلفة.. مالا وجسما ونفسا ونفسا..
لا يتوقف الإيمان -إذا- عند الإقرار بوجود الله والغيب والرسل.. عليهم صلوات الله.. هذا شرط أول.. ضروري لكنه ليس كل الإيمان..
إنما الإيمان 77 جزءا… أعمال كثيرة.. محددة… لا مجرد تعريف مبسط مريح عن شعور غامض هلامي جميل يعتري المرء وتتفاوت درجات قوته.. وضعفه..
إنما الإيمان عمل.. مجموعة أعمال..
كد متواصل يومي حتى نلقى الله عز وجل..
الخميس ٢٢ اكتوبر ٢٠٢٠
