بسم الله الرحمن الرحيم وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه ومن تبعوهم بتلك الصحبة إلى يوم الدين. أما بعد، كنا بدأنا منذ 5 سنين سلسلة “فقه الريادة” على “قناة الشاهد”. كان هدفها أخذ ما يهم الدعوة إلى الله من علوم التسيير والقيادة دون السقوط في الببغائية والترجمة الانبهارية غير الناقدة سيما وأن الله من علينا -نحن المسلمين- بأكبر قائد في تاريخ الانسانية ومن على الناس -قبله وفي حياته وبعد انتقاله ﷺ إليه ﷻ- بأمثل الطرق للقيادة ألا وهي طريقة الأنبياء في التسيير.. “منهاج النبوة” كما سماه رسول الله ﷺ.. والذي اثبت نجاعته على أرض الواقع ويثبتها في مقاومة الظلم وسيثبتها في الحكم بالعدل لصالح الإنسانية وفي صالح الأرض مستقبلا كما أثبتها من قبل..
ولسنا هنا لنتكلف إقحام الدين في علم وليد مريج غير مكتمل.. ولسنا ممن يحبون انتظار كل اكتشاف إنساني “طارئ” ليبحثوا عن وسيلة “لإلصاق” طارئ بوحي “أصل” حتى يتسنى لهم الافتخار بأن الوحي سبق الاكتشاف ب 1400 عام.. ناسين أنهم بعملهم هذا يبخسون الوحي والعلم الإلهي قيمتهما بمقارنتهما مع تعلم مخلوقات الله التي تخطئ وتصيب .. ولا يهمنا إنكار من أنكر أو إيمان من آمن.. فالأرقام شاهدة بأن أكثر الناس تأثيرا عبر التاريخ هم الأنبياء.. وقد فاقهم تأثيرا سيدنا محمد ﷺ.. يتبعه أولو العزم من الرسل -عليهم السلام- فباقي الأنبياء -عليهم السلام- ثم من سار على منهاجهم إلى يومنا هذا.. وهنا لا نمل من إبراز إحصائيات تاثير آخر الأنبياء ﷺ في ما مضى من تاريخ العالم وما سيأتي مستقبلا كما استشرفها واحد من أكبر مراكز الاحصائيات والدراسات واستطلاعات الرأي الأمريكية Pew Research Center (أنظر المبيان)*..
وعلى الرغم من أننا نعيش في بلدان “الجنوب” مختلة الموازين، متخلفة في كل النواحي -وعلى رأسها الحكامة- كما تشهد تقارير الأمم المتحدة والبنك الدولي وغيرها، إلا أننا لا نأخذ ما وصل إليه “المتقدمون” دون نقد.. لعدة أسباب منها:
١- إبطالهم للوحي كمرجع للتنظير
٢- إغفال الدين الحق إلا ما كان من استثناءات تتبنى بعض الطقوس والفلسفات الهندوسية والبوذية والكنفوشية والطاوية والشنتوية والزن (البنتان اليابانيتان للبوذية)، وهذه المعتقدات لا تعتبر نفسها رسالات موحى بها.. أي دينا.. بل هي تجارب إنسانية تتخللتها أساطير وعادات وطقوس وأحوال مجهول مصدرها لدى أكثر الناس.. ومن أسماءها تتبين أرضيتها: فهي تنسب إما إلى رجل ك”بوذا” لقب “سيدارتا” و”كنفوشيوس” الاسم الأوروبي ل “كونغ فو دزه” أو إلى مكان كنهر الهندوس (indus) فيما يتعلق بالهندوسية التي لا مؤسس لها أصلا.. وهكذا..
وقد ساهمت هذه الفلسفات الشرقية في صياغة مذاهب في التنمية الذاتية وعلوم التسيير من بين من تأثر بها Deepak Chopra و Wayne W. Dyer و Tony Robbins, و Eckhart Tolle و قبلهم Prentice Mulford و Wallace Wattles وحتى Napoleon Hill ومنظرين آخرين..
وفي غرب مادي.. بلا وحي.. متعطش للروحانية -أيا كان مصدرها- ومتعطش للاغتناء السريع وجدت أفكار غير علمية البتة مثل “قانون الجذب” المستمد من وحدة الوجود الهندوسية انتشارا واسعا.. وخيبات أمل واسعة كذلك..
ولقد ترجمت هذه الشركيات إلى العربية في كتب حول التنمية البشرية والقيادة تبدأ بالبسملة وتكيف فيها الترجمة بل تحور وتضاف إليها الأحاديث والآيات لأسلمتها بالقوة.. بل بالعنف..
٣- لا نخجل من عرض بضاعتنا كما لا يخجلون.. فحتى المعتقدات المحرفة من نصرانية (نسبة إلى مكان أرضي ‘الناصرة’ لا إلى الله) أو مسيحية (نسبة إلى صفة المسح -وهو جزء من الوضوء والغسل معروف في الدين الحق منذ القدم.. خصصوا به، بلا منطق، تسمية نبي واحد من بين 124.000 نبي- لا نسبة إلى رسالة الله) أو يهودية (نسبة إلى رجل كذلك: ‘يهوذا’ ابن سيدنا يعقوب عليه السلام لا نسبة إلى رسالة الله).. كل هذه المعتقدات -المحرفة عن دين الإسلام الاصلي من لدن آدم عليه السلام- تجد لها ممثلين من أكبر المنظرين مثل Stephen Covey وهو راهب ومبشر بالنصرانية استعمل مبادئ النصرانية المرمونية في كتابه “العادات السبع”.. و John Townsend و Henry Cloud و John Ortberg (وهو كذلك قس ومبشر بالنصرانية بكنيسة مشيخية Presbyterian Church) و Kenneth Blanchard و Zig Ziglar وآخرين..
٤- لا يساورنا أدنى مركب نقص أمام تقدم تقني لا هدف له غير التكاثر الملهي للناس المستنزف للموارد المفسد للأرض جوها وبرها وبحرها..
٥- إن التقدم الحالي لبعض الأمم هو نتيجة لتنظيم محكم لا شك لكنه في الأساس الأول نتاج سرقة ونهب لخيرات البلدان وهذه هي صورة قيادة “الرجل الأبيض” لستمائة سنة 600 على الأقل.. قيادة عنيفة في معظمها (وإن أظهرت سمات “متمدنة”) ميكيافيلية في أسلوبها الاستعماري الاستعلائي الاستعبادي إلى يومنا هذا.. فلا ننبهر بالقشور البراقة علما منا أن اللب فاسد.. وقد أظهر نموذج ‘التنمية اللانهائية’ “شيخوخته” الفعلية.. في أوروبا وأمريكا.. بالأرقام..
٦. إن منظري التسيير والتنمية الذانية والقيادة -وهذا أهم ما دفعنا للكتابة- لم يصلوا بعد إلى معرفة مصدر القوة الذاتية التي تبعث على التأثير الإيجابي في الإنسان و التفوق العملي المستدام إن ماديا أو روحيا أو أخلاقيا.. وأهم ما سنظهره من خلال هذه الحلقات هو هذه “الحلقة المفقودة” لدى كل هؤلاء المفكرين والمنظرين والمدراء.. “من أين تأتي شرارة الطاقة الأولى وما الذي يغذيها لتدوم؟”
٧- إن بعض النماذج من المسيرين قد يبهرون بإنجازات “ظاهرة” لكنهم يبقون مجرد فرقعات محدودة التأثير لا تبعات لها بعد فترة إدارتهم ولا بناء يرجى منها على المدى البعيد.. وحتى من اعتبرهم بعض المتسرعين وغير المتخصصين (من صحافة وانبهاريين إعلاميين) أحسن “قادة القرن”.. مثل Jack Welch أو Steeve Jobs أو Bill Gates أو Adam Weitsman أو Sundar Pichai أو Jack Ma أو Satya Nadella وغيرهم.. إلا أن هؤلاء “المديرين” -برغم عملهم وتفانيهم- لا يجدون لهم مكانا في لائحات ترتيب أكبر القادة الجادة التي تنبني على دراسات مطولة وأرقام نسبية تلغي موضوعيا مساعدة الظروف الاقتصادية لبعض هؤلاء النماذج لتقيم عملهم ونتائج قراراتهم بغض النظر عن “الأنا” وما يطلق عليه “كاريزما” اللتان قد تظهران في سير معظمهم وليستا -الثنتان- من عناصر الريادة .. وسنعود لرفع غشاوة الانبهار عن بعض هذه النماذج-الفرقعات..
٨- لا مجال للانبهار الزائد لإن سنة الله قد اقتضت تفاوتا ماديا بين شعوب الأرض لغرض الابتلاء وتحفيزا للعمل من أجل تغيير الواقع لا الرضى ‘الجبري القدري’ به.. فمهمتنا في هذا الكتاب أن لا ننسج على منوال من نظر لعلوم القيادة -نقلا مريحا أو نحلة غالب- لسبب واحد أنهم لا خبر لهم بالعلم الخاص الذي آتاه الله لبعض عباده من العارفين.. عارفين بالله.. وعارفين بالنفس البشرية موضوع علم الريادة.. ووارثين للأنبياء أكبر قادة عرفهم التاريخ وأطولهم تأثيرا عبر الزمن ..
٩- وأخيرا، فإننا سنعرف “الريادة” وخصائصها بشكل مختلف جوهريا عن كل تعاريف “القيادة” التي نسمعها ونقرأها.. آخذين عن الوحي مباشرة.. وهو اجتهاد نرجو التوفيق فيه..
١٠- وسنعطي بعون الله وتوفيقه بعض المصطلحات الجديدة وغير المسبوقة في كتب التسيير خدمة لهذا العلم الذي نريده علما نافعا.. محركا للإنسان.. مغيرا للأرض.. داعيا إلى الله..
