بسم الله الرحمن الرحيم وإياه نستعين..
لا يقوم كثير من الناس بما عليهم القيام به فطرة (فقد أودع الله في كل واحد منا ميزات وكفاءات معينة وميولات خاصة لنساهم بها -بتكامل مراد- في مشروع بناء الأرض الجماعي) وواجبا.. خوفا من الوقوع في خطإ أو خوفا من التقريع والانتقاد..
وجل هذا مرده “الأنا المستعلية” : يخاف المرء.. لا من الناس.. بل من تذبذب “صورته” عند الناس.. حال اقترافه عملا ليس كاملا.. أو خطأ..
والكمال لله.. والخطأ وارد.. وكل ابن ٱدم خطاء.. وفي الخطائين خير.. إذا صححوا..
خوف من الناس.. أعطاه الفرصة.. ضمور الخوف من الله..
ويعاني المسلمون -عامة- من هذه الٱفة أكثر من غيرهم.. والدليل تدني ترتيبهم في احصائيات الأمم المتحدة وغيرها حول التنمية..
والسبب الخوف من المغامرة والاكتشاف والتجربة والإبداع.. لأن نسبة الخطإ أكثر ورودا في كل جديد..
وسبب الخوف لدى المسلمين قرون الاستبداد وطغيان الرأي الوحيد للحاكم “الملهم”.. والناس على دين ملوكهم : فالأب في مجتمع الاستبداد مقهور أمام رؤسائه (بل “ملوكه”) لكنه ينتحل شخصية من غلبه.. فيستبد في رعيته..
استبداد متسلسل متحدر كالشلال.. مشل للحركة.. معطل للطاقات..
وهناك خطأ من نوع ٱخر.. وهو نشدان الإحسان من أول وهلة.. وأول عمل.. وهو ما يؤخر لسنين عملا قد يأخذ ساعة أو بعض يوم فقط..
فلسنين مثلا وأنا أردد أنني علي أن أكتب عن “حق الخطإ” وأسوف لأن المقال يجب تعزيزه بمراجع واحصائيات وأمثلة.. واليوم قررت الكتابة بلا مراجع قبل الذهاب إلى العمل صباحا.. فأخذت الهاتف وها أنذا أكتب منذ عشر دقائق قبل تناول وجبة الفطور ما كان سيدفن معي لو لم أخرجه.. ثم سيأتي من يكمله وينقحه غيري.. وسيعمل به من قد يرى فيه ما ينفعه..
فكل البرامج الالكترونية المشهورة مثلا تخرج ثم يتم تحسينها في نسخ لا نهاية لها.. وهذا شكل من الإحسان الدائم..
وقد يخطأ أكبر الصناع (مايكروسوفت.. طويوطا.. مرسيديس).. وقد يضطرون لجمع منتوجاتهم من السوق.. ولا تنقص صورتهم لدى الناس.. بل قد يزيد احترام الناس لهم بسبب تصحيحاتهم..
وللمسلمين ميزة كبرى لو استعملوها.. فالقرٱن الكريم وكتب الحديث هي الكتب الوحيدة التي تعطي ليس فقط الحق في الخطأ بل :
1- الأجر في الخطأ :
ففي حديث في الصحيحين عن النبي ﷺ قال: إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران، وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر [1]
2- بل واستبدال الخطإ عملا حسنا :
{ إِلَّا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَٰئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ ۗ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَّحِيمًا } (الفرقان 70)
وهذا شيء رائع لم تصل إليه كبرى المؤسسات والجامعات التعليمية.. فالتنقيط يبدأ من الصفر متصاعدا.. وقد تضاف جوائز.. لكن لا يتحول صفر الخطإ فيها نقطة جيدة أبدا.. إذا ما أصلح الطالب وتدارك بعدها…
والله أكبر…
فلنتحرر من عقد الخوف..
ومن قيود الأنانية..
3_ ثم إنه لا يوجد خطأ في الدنيا لا يصحح.. ولا ذنب لا يغفره الله عز وجل.. :
{إن الله يغفر الذنوب جميعا}
فلا يثبطنك من يقدم أمثالا “شعبية” ميئسة على الوحي.. من قبيل “إذا انكسر الزجاج فإنه لا يلتئم أبدا”
لإنه لا_يأس_في_الإسلام..
فلنغير أمثلة القنوط.. فإذا انكسرت مزهرية الزجاج.. فقد تصلح بالنار (والنار لا تؤذي مادة الزجاج بل تجمله).. أو يذاب زجاجها ويعاد تشكيلها.. أو تصنع منه مزهرية أجمل مما كانت عليه..
ما علينا إن اخطأنا إلا أن ندعو ونصحح الخطأ :
{ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا..
أو اخطأنا..}
صدق الله العظيم..
[ ملحوظة : أكافئ نفسي الٱن بعد نهاية النسخة الأولى من المقال بوجبة فطور تنتظر منذ عشرين دقيقة.. ههه.. “خطأ” في الحمية.. أتداركه بعد حين.. ]
_____________________
[1] أخرجه البخاري في صحيحه في كتاب الاعتصام بالكتاب والسنة، باب أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم 6805، ومسلم في صحيحه، كتاب الأقضية، باب بيان أجر الحاكم إذا اجتهد، برقم 3240.
