“باب الخدمة وتعظيم المومنين والحرص عليهم”:
الحب حرص وخدمة وتعظيم.. متبادل..
من حرص الله على عباده المحبوبين أنه يكره مساءتهم في أمر الموت الذي لا بد منه في سنته التي أرادها في كونه..
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال “وَمَا تَرَدَّدْتُ عَنْ شَيْءٍ أَنَا فَاعِلُهُ تَرَدُّدِي عَنْ نَفْسِ المُؤْمِنِ، يَكْرَهُ المَوْتَ وَأَنَا أَكْرَهُ مَسَاءَتَهُ ” (حديث قدسي) ١
قال ابن تيمية رحمه الله :
” وَالرَّبُّ يَكْرَهُ أَنْ يَسُوءَ عَبْدَهُ وَمَحْبُوبَهُ، فَلَزِمَ مِنْ هَذَا أَنْ يَكْرَهَ الْمَوْتَ، لِيَزْدَادَ مِنْ محاب مَحْبُوبِهِ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَدْ قَضَى بِالْمَوْتِ، فَكُلُّ مَا قَضَى بِهِ فَهُوَ يُرِيدُهُ، وَلَا بُدَّ مِنْهُ، فَالرَّبُّ مُرِيدٌ لِمَوْتِهِ لِمَا سَبَقَ بِهِ قَضَاؤُهُ، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ كَارِهٌ لِمسَاءَةِ عَبْدِهِ، وَهِيَ الْمسَاءَةُ الَّتِي تَحْصُلُ لَهُ بِالْمَوْتِ، فَصَارَ الْمَوْتُ مُرَادًا لِلْحَقِّ مِنْ وَجْهٍ، مَكْرُوهًا لَهُ مِنْ وَجْهٍ، وَهَذَا حَقِيقَةُ التَّرَدُّدِ، وَهُوَ: أَنْ يَكُونَ الشَّيْءُ الْوَاحِدُ مُرَادًا مِنْ وَجْهٍ مَكْرُوهًا مِنْ وَجْهٍ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ مِنْ تَرَجُّحِ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ كَمَا تَرَجَّحَ إرَادَةُ الْمَوْتِ؛ لَكِنْ مَعَ وُجُودِ كَرَاهَةِ مسَاءَةِ عَبْدِهِ.. ” ٢.
قال الحريص على مساءتنا -سبحانه وتعالى- مبينا حرص خليفته في أرضه -صلى الله عليه وسلم- (لقد جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ) (سورة التوبة، الآية 128) …
ومنه حدب الأم وحرصها على أولادها أن يصيبهم عنت لحبها لهم..
ومنه حرص الأئمة على من يوالونهم :
خرج إبراهيم بن أدهم، وهو من أكابر الزهاد، رحمه الله في سفر ومعه ثلاثة نفر ، فدخلوا مسجدا في بعض المفاوز ، والبرد شديد وليس للمسجد باب ، فلما ناموا قام إبراهيم فوقف على الباب إلى الصباح فقيل له “لم تنم !” فقال : “خشيت أن يصيبكم البرد فقمت مقام الباب…”
هذا هو الإسلام..
حب قبل كل شيء..
_____________
١. رواه الإمام البخاري في “صحيحه” (6502) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
٢. من “مجموع الفتاوى” (18/ 131) .
