وقف الطيار حائرا.. بين إعدامه وإعدام أهله من الجو.. لولا أن تداركه الله فألهمه أن يستشير شيخه..
ما كان يعلم حينها أن حياته ستنقلب رأسا على عقب.. وأنه سيحيى حياة أخرى.. بعد أن أحيى نفوسا كثيرة برفضه لقرار وأدها..
أشار الشيخ المربي على الوليد الحائر ب”الهجرة” إلى المدينة المنورة وفق خطة محبكة تحترم سنن الله في كونه.. حتى أبلغه مأمنه..
ولأن هذه الرحلة ستمنعه من أن يرى شيخه -الذي أحبه كثيرا- مرة ثانية.. سأله وهو يودعه عمن سيصحب بعده إن حال الموت بينهما..
رد الشيخ على ابنه بهدوء العارفين الذي لا تحد أفقهم حدود الجغرافيا ولا حدود التاريخ ولا حدود السلطة والخوف من الأغيلمة العابرين.. الغابرين.. بأن مصحوبه سيأتي عنده حيث هو..
ما كان يعرف طيارنا.. أن هذا اللقاء الحاسم الذي لطالما انتظره يوما بعد يوم.. سيأتي بعد 27 سنة..
ما كان يعلم أنه سيفتح له كما فتح لشيخه..
عرف صورة مصحوبه الأخير لما خرق له من غلاف عالم الحق.. على الأرجح.. فعرفه عندما رآه على غلاف كتاب في عالم الشهادة.. فتم اللقاء.. مرة أخرى..
بعد أيام سيقرأ.. في لقاء آخر.. لقاء مقروء هذه المرة.. :
“واعلم من هنا أن ألف كتاب تحفظه لا يتقدم بك شعرة في الطريق إلى الله إن لم تنبثق فيك إرادة ويقظة وهمة وطلب ولم تجد من يسدد خطاك من رجال عصرك. وتكفي كلمة صادق في لحظة صفاء في لقاء شفوي أو مقروء يباركه الله تعالى ليُورَى زَنْدُكَ، وتظلم الدنيا في عينك، لا يقِرُّ لك قرار حتى تضع قدم قلبك في مدارج العقبة لتقتحمها، ولتكون من أهل المناجاة والنجوى، والقرب مع ذوي القربى. كان الله معك!”.. (من كتاب الإحسان)
وقد كان الرجل ذا همة سامقة وطلب.. فلم يقف عند هذا الحد وطلب المزيد..المزيد.. ليعطي المزيد.. المزيد..
وقد أوفى بعهده..
جزاه الله عنا خير الجزاء وأكمله..
(يتبع)
