وصلنا إلى فندق كل سكانه من حجاج إيران.. تناولنا الغذاء.. فإذا بالمائدة شاب من قرقيزيا كنت قابلته في المسجد النبوي.. وكنا قد تكلمنا بخصوص الإمام المجدد بالمغرب.. وبخصوص قرار الشاب بأن يتشيع بهدف إتمام الدراسة بمنحة من إيران.. وكنت ذكرته أنه قد ترك تركة أجداده من المحدثين والصوفية.. فرح كثيرا عند رؤيتي.. وكذلك فرحت..
أخذني صاحبي إلى غرفة في بهو الفندق الصقت عليها لافتة تشير إلى أنها مكان التبشير الدولي.. استنبطتها من كلمتين “دعوت” و”خارجى”..
بعد مدة دخل أربعة أوخمسة أشخاص.. يرتدي اثنان منهما عمامة سوداء..
كان صاحبي وجلا أمام من دخلوا القاعة.. بدأ السلام ثم جلسنا..
أشار لي أكبرهم سنا أو رتبة- بكف منفتح نحو أعلى :
– تكلم !
فأجبت بالفصحى -وياله من تمرين- :
-ما جئت لأتكلم بل لأتعلم.. فأنا في حضرة علماء.. ولست إلا محاسبا..
هنا أخذ “رجل الدين” يتحدث عن تفوق إيران وحيازتها لمفاعل نووي.. و”تقدمها”.. وحسن تديير مال نفطها.. ومقاومتها لليهود في جنوب لبنان.. ووو.. ويقابل هذه الانجازات بتضييع حكام “السنة” لأموال الأمة.. وعدم نجاحهم في تصنيع بلدانهم.. وظلمهم (وهم فيه سواء) وووو…
مقدمة هدفها إلصاق التخلف بالمذهب السني والتقدم بالتشيع..
لم يكن كل ما قاله من معلومات خطأ.. إلا تكلف الإلصاق.. جزئيا..
أطال الرجل كثيرا.. وكان هدفي أن أتعلم كيف يبدأ -وعلام يركز- الشيعة في دعوتهم..
ما إن انتهى حتى اتجه نحوي قائلا : “ماذا رأيك فيما قلت..؟”
لم أدرس التشيع أبدا.. ولم يكن ذاك من أولوياتي في تلك الفترة.. ويا ليتني فعلت.. فأنا الآن مورط أمام فريق من الدرجة الأولى..
غالبا ما استفز محاوري إن لمست فيه ثقة زائدة في مرجعيته أو في عقله حتى يتواضع قليلا فيستمع لغير رأسه..
زدت في استعلاء الفقيه قائلا : كل ما قلته سيدي صحيح.. نعم.. هناك تبذير لأموال الأمة.. واستكبار.. وتخلف.. وأضيف على كلامك شيئا.. فحكام السنة لم يعاملوا آل البيت بشكل لائق في الأيام الملك الأموي العاض..
فأومأوا برأسهم ارتياحا وموافقة..
ثم سكتت.. فقد أجبت بالإيجاب على سؤاله عن رأيي حول كلامه.. (بل وزدت).. ثم إني.. لم أجادل !!
فقال لي.. مستحثا إياي للمزيد..
– نعم.. ولكن أنت.. ما رأيك في ما يقوم به السنة..
– قلت : سيدي هذا لا يعنيني.. هذا مشكل بينكم انتم وبين السنة..
بدأت النظرات فيما بين المعممين.. ثم اتجهت العيون نحو صاحبي المبشر مستفسرة.. وقد كان المسكين في غاية الحرج.. سامحني الله..
لسان حالهم يقول : ما هذا الكائن الذي اصطدت لنا ؟..
أوقف كبيرهم الحرج بسؤال مباشر :
– انت من المغرب (يعني بغير المباشر : أنت سني..)
– فقلت : انا لست سنيا !
– كيف ؟
– ولست شيعيا كذلك ؟..
زاد الحرج.. والاستغراب.. لأي الطوائف ينتسب هذا ؟..
– ومن أي مذهب انت ؟
– فقلت بفرح داخلي كبير.. : “{أنا من المسلمين}.. ومن أحسن قولا ” ..
فسكت الجميع.. أمام جواب بسيط.. غير منتظر.. لبساطته.. لبساطة الحق..
ثقل القرون.. أنسانا أننا مسلمون مثل سيدنا ابراهيم وسيدنا محمد.. وسادتنا الصحابة.. عليهم السلام جميعا.. وعلينا بإذن الله..
وزاد الشيطان.. وذريته.. وأتباعه.. فأقنعوا مليارا ونصف مليار “من المسلمين”.. أننا لا يمكن إلا أن نكون “سنة” أو “شيعة”..
لا مسلمين فقط…
يا حسرة على العباد !
(يتبع).. ان شاء الله..
الصورة لشيعة اثناء تأدية بعض طقوسهم (لا علاقة لها بالقصة. إنما تم اختيارها لان وجوه اصحابها مخفية)